أي نوع من الأذكياء أنت؟

عندما نستيقظ من النوم لا بد أننا نجول بأعيننا فيما حولنا لنعرف زمن صحوتنا وهل هو ليل أو نهار، وهذا يعتبر من ذكاء الوعي بالزمن، الذي يمتلكه الإنسان فطريا كما تمتلكه أغلب المخلوقات الأخرى. وبالنظر إلى الساعة لتحديد الوقت بالضبط نتميز عن هذه المخلوقات بكوننا نحسب الوقت بأدق تفاصيله، وهنا نثبت أن لدينا ذكاء زمانيا دقيقا.
وبتفقدنا لأجزاء المكان المحيط بنا سنتمكن من تحديد موقعنا بالضبط، وهذا يدل على ذكائنا المكاني والذي يمكن أن يكون ذكاء مكانيا دقيقا إذا كنا نتلمس التفاصيل البسيطة المحيطة بنا. وبقدرتنا على تمييز حجم الفراغات من حولنا والمقارنة بينها نثبت على ميزة ذكائنا الفراغي، والذي قد يكون دقيقا. ولو فرضنا أننا وجدنا بجانبنا صحيفة الصباح فإننا سنتمكن بمجرد النظر لصفحتها الرئيسية من التعرف على الخطوط العريضة للأخبار المحلية والعالمية، وهذا يدل على تمتعنا بالذكاء البصري أو النظري.
وعند قراءتنا لتفاصيل الأخبار وتفقد الصور والكاريكاتيرات والتمعن في تفاصيلها البسيطة ونقدها يتضح ما نمتلكه من ذكاء بصري دقيق. ولو قمنا بأي عمليات حساب، ومقارنة عددية نظهر ذكاءنا المنطقي الحسابي. وقد نقوم برفع سماعة الهاتف أو التحدث مع شخص ما وننقل له ما قرأناه من أخبار بخصلة ذكائنا اللفظي. وربما نقوم بإعادة صياغة ذلك بطريقتنا الخاصة مضفين عليها تحليلاتنا واستنتاجاتنا، وهنا ندلل على ذكائنا اللفظي والمشاعري والحواسي الدقيق في نفس الوقت. وبسماعنا لردود الشخص الذي نتحدث معه وقدرتنا على الإنصات والرد فهنا نظهر ذكاءنا السمعي. ونخرج من منزلنا للعمل أو لأي لقاء اجتماعي ونقوم بمناقشة أمور الحياة من طقس وحوادث وأخبار وغيره مع مجموعة من الأصحاب، تدليلا على ذكائنا الاجتماعي، والتي تتحدد قوته بقدرتنا على تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين وتبادل الخبرات والآراء بطرق عقلانية واحترام متبادل والتأثير فيهم، وباستخدامنا لحركات الجسم المتوائمة مع ما نقول نكون قد استخدمنا ذكاءنا الجسدي. وباستماعنا لمقطوعة موسيقية أو لحن معين، ومعرفتنا له، وتناغمنا وانسجامنا ندلل على ذكائنا الإيقاعي النغمي. وكذلك بتمتعنا بالجلوس أمام شاشة بما فيها من المناظر والألوان، أو إعجابنا بلوحة معينة وتتبع تفاصيلها ودقائقها نكون ممن أنعم الله عليهم بنعمة الذكاء اللوني.
وفي أعمالنا ومع اندماجنا مع من يعملون معنا، لا شك أننا نظهر الذكاء الإداري والقيادي أو السياسي.
وبعودتنا إلى منزلنا وحضن ابن أو ابنة، ومشاركة الزوجة في بعض مشاغلها فأننا نحقق الذكاء العائلي. وعندما نتحدث مع فرد من العائلة عن شيء مشترك كقوانين كرة القدم، أو طريقة عمل طبخة معينة، فإننا نظهر ذكاءنا الإبداعي النظري، وربما نطلب من أحدهم أن يرسم صورة أو يكتب قصة، أو يصنع مجسما، ونساعده في بعض التفاصيل مما يجعلنا نحقق أسس الذكاء الإبداعي العملي، ونزاول الذكاء المشاعري والروحي في نفس الوقت. ويمكن للإنسان أن يستخدم جميع أو أغلب أنواع الذكاء في جلسة واحدة اعتمادا على قدراته وتميزه. وهنا نقول عنه بأنه يمتلك موهبة الذكاء الأساسي، وهو الذكاء المتكامل المتجانس الذي يغطي جميع أنواع الذكاء.
ومن هذا المنطلق نرى أنه لا يمكن أن نطلق على أحد مهما كانت معطياته لقب الغباء.
فمن يكون غبيا في نوع معين لا بد أن يكون له تميز في نوع آخر من أنواع الذكاء. وقد جرت العادة على مقولة "كل ذي عاهة جبار" وهذا لا يعني إلا أن صاحب العاهة قد ركز على أنواع الذكاء الأخرى التي لا تمسها العاهة فأبدع.
ولم يعد الذكاء تقليديا يقاس بنسبة الذكاء النظرية المعتمدة على القدرة على الحساب، والمنطق، والبراعة اللفظية بعد أن قسم علماء النفس الذكاء إلى أقسام رئيسية منها اللغوي، والمنطقي الرياضي، والفراغي الفضائي، والجسدي، والإيقاعي، والاجتماعي، والروحي وتفرعت منها بقية الأنواع الأخرى.
ولا شك أن بعض المدارس في المراحل الأولية قد بدأت التنبه لذلك الجانب، ومحاولة معرفة نوع ذكاء الطفل، واستغلاله تربويا.
وهذه خطوة تشكر عليها تلك المدارس. ولكن لا يظهر لي أن سلسلة التعليم العالي تتنبه لذلك ولا تشجعه. وأن أبناءنا المساكين ما زالوا يعانون من الفهم الخاطئ لذكائهم. فيتم توجيههم قسرا لقنوات دراسية وتدريبية لا تتناسب مع نوعية ذكائهم. مما يجعل التميز والإبداع نادرا بيننا، ومما يجعل أغلب الجيل متشابها متناسخا محبطا، ولا يسعى إلا للبحث فقط عن لقمة العيش بملف علاقي أخضر!.