ســـــــــــــــــــــبحان الله وبحــــمده ســـــــــــــــــبحان الله العظيم

   

 
اســــــــرة المنتدى ترحـــب بالاخوة الاعضاء والزوار وتتمنى لهم قضـــاء اسعد الاوقات وامتعها فى المنتدى وتسعد بمشاركاتهم وتواجدهم فى كل لحظه - وأهـــــلا وســـهلا بالجمـــــيع "

رسالة المنتدى


   
 
العودة   منتدى قبيلة السمره من جهينة الرسمي > الـــمـــنـــتـــديـــات الأدبـــيـــة > مـنـتـدى الـقـصـص والـروايـات
 
 

مـنـتـدى الـقـصـص والـروايـات ((القصص الواقعية والتي من نسج الخيال والروايات الجميلة))

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-26-2013, 06:32 AM
أحـمـد الـسـمـيري
عضو قدير
دموع الشوق غير متواجد حالياً
Saudi Arabia    
لوني المفضل Black
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل : Oct 2011
 فترة الأقامة : 4559 يوم
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 الإقامة : السعوديه
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم : 14
 معدل التقييم : دموع الشوق عضو علي طريق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
قصة [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



(الرجل المقيد بالكلاليب)

كنت في غرفة ظلامها حالك .. قليلة فيها المسالك .. نظرت لعلي أجد شيئا .. أستقرت عيني على شيء لفت أنتباهي بغرابته .. تمعنت بالنظر فإذا هو شخص .. شخص ! نعم شخص .. ولكنه كان مقيدا .. كان مقيدا بسلاسل من حديد وفولاذ .. ورغم الظلام الحالك إلا أنني أشعر بلمعانها وبريقها الوضاء .. كانت الكلابيب تطوق عنقه .. وتقيد حركته .. كانت تلتف حول جسده .. وتقيد معصميه .. شعرت بضيقها من بعدي ذاك .. كان جسده مثبتا على الحائط .. وذراعاه مقيدان إلى الجدار عن يمينه وشماله .. من هو هذا الشخص ؟ نظرت متمعنا لعلي أجد إجابة .. كان جسده متهالكا .. و يبدو ضعيفا .. يغلب عليه الشحوب .. كانت ملامحه عربية .. ولونه لوني .. ليس من مشارق الأرض أو مغاربها .. أذا كيف لا أعرفه ! .. كان عاري الصدر .. بدا جسده ممتلأا بالجراح والندوب .. لم كل هذه الجراح ؟ ولماذا كان مقيدا بهذا الشكل !
سرحت بتفكيري بعيدا بعيدا جدا ..*
فإذا بي أسمع صوتا يصرخ .. لم أنتبه له .. صرخ مرة أخرى وبصوت أجش .. ماذا تريد يا هذا ؟ .. أنتابني الرعب فجأة .. وسرت قشعريرة في جسدي .. كان الشخص هو من تكلم .. لقد ضننته جثة هامدة .. كيف سرت فيه الحياة فجأة .. أجبته بصوت خائف .. أ أنا أنا أريد مساعدتك ؟ .. فجأة لمع في وجهه بريق من الأمل وأصبح وجهه وضاء وتوردت وجنتاه .. أستطردت قائلا ولكن من أنت ؟ .. وبنفس السرعة التي أنشرح فيها وجهه أنقلب مظلما وشاحبا وقال .. ألا تعرفني ! على كل حال لماذا تريد أن تعرف ؟ وما شأنك بي .. قلت له أراك مقيدا في غرفة مظلمة .. منعزلا وحيدا .. جسدك معذب وممتلأ بالجروح والندوب .. كأنك لم ترى النور في حياتك ! .. ولكنك تبدو مسالما .. فلم كل هذا ؟ .. قاطعني قائلا .. آلنور لقد رأيته ذات مرة .. سألته قائلا إذا لماذا لا تراه مرة أخرى .. لا أستطيع .. كانت هذه الكلمة التي نطق بها .. لا أستطيع بحالتي هذه .. أنا ضعيف مشتت إنها النهاية بالنسبة لي ! .. أنا لم أكن هكذا من قبل ! .. وهذه نهايتي .. من شدة غضبي قلت له .. أنت مجرد خائف وجبان ! .. أتخشى من رؤية النور .. عار عليك ما تقوله .. صرخ بوجهي قائلا .. هل تعرف من آنا ؟ .. قلت له باستهجان وامتعاض ومن آنت ؟ .. قال أنا من تحدى العالم .. أنا من قاتل الجانب المظلم منه .. أنا آلنور الهادي والنبع الصافي .. أنا الذي يرتكز فوق رأسي الجميع .. أنا من بقيت طوال عمري أسمع صليل السيوف ودوي المدافع .. آنا الخاتم فلا بعدي .. وانا الناسخ فلا قبلي .. آنا عمرت قرونا .. وسأعمر قرونا .. آنا مجد خالد .. آنا التاريخ بعينه .. قاطعت ثرثرة قائلا .. كنت .. آنت كنت .. هذا كله ولى .. لا أرى فيك ما تقول .. أنت بقايا مجد .. أنت أوراق من التاريخ الغابر .. قال بغضب .. لست أنت من يقرر هذا .. ومن يقرر ؟ سألته .. سكت فجأة .. ولكنه بعد برهة قال لا أعلم .. كيف لي أن أعلم وجراح ظهري فاقت ما في صدري من ندوب .. أسقطت أمما فأسقطني شرذمة .. غيرت دنيا كاملة فغيروني .. أصبحت لا أعرف نفسي .. غلبوني ! .. غلبني شرذمة من التاريخ خلفوا حقدهم وبغضهم .. تغلغلوا داخلي .. سروا فيّ كسريان السم في الجسد .. رفضوا الحق وبهاذا سمّوا .. ناهيك عمن أصبحت بيدهم كقطعت حديد تولوا حدادتها .. منذ أن اكملت سنة او أقل من عمري .. وهم يضربونني .. ولم يكلوا ولم يملوا .. لكنني كنت أردها عليهم عشرا بواحدة .. وصاعين بصاع .. حتى توقفوا .. أحسست بالنصر .. ودامت فرحتي سنين .. حتى عادوا بعدة جديدة .. وقوة عظيمة .. كأنها إستراحة محارب ذهب ليسن سيفه ويشد قوسه .. كانت أسلحتهم فتاكة .. لم يحاربونني بما ولدت عليه ! .. لم يحاربونني أصلا ! حاربوا أبنائي .. وقصدوا بناتي .. لم يكن لدي وسيلة لدفاع أو هجوم .. لم يكتفوا بذلك .. بل حينما رأو
عجزي وقلت حيلتي .. قصدوني .. لا بسيف وسهم .. بل بفكر عجم .. قاموا بتخديري وجردوني من سبب عزي .. أخذوا مني سيفي و لم ينسوا القوس والسهم .. عادوا بغير الوجه الذي عرفتهم عليه .. وبعدة لم يعتدها عرب ولا عجم .. هزموني بغير سلاح .. ولكنهم هزموني ! .. أصبحت عزيزا وأمسيت ذليلا .. تكالبوا علي .. وكأن لا شيء يشغلهم .. اجتمعوا لأجل إسكاتي .. وفعلوا ذلك .. فذاك يضرب يداي فيمنعني من الدفاع عن نفسي .. وذاك يضرب قدمي فيمنعني من المضي قدما .. وذاك يغلق فمي فيمنعني من طلب العون .. كنت أستطيع ردعهم لو اكتفوا بذلك .. لكنهم عرفوا أنني سأصبح كهلا بعد زمن وجيز .. فقاموا بخداع أبنائي .. فأصبحوا لا يفرقون بين عدو وصديق .. انقادوا لأعدائهم وأصبحوا تبعا لهم .. يقتل بعضهم بعضا .. كان يجب أن يتعاضدوا ويتكاتفوا .. كان يجب أن يكونوا كبنيان مرصوص .. عدوهم صار ينام باطمئنان بعد ما كان يقضي ليله في فزع .. أستطيع سماع ضحكاته المنتصرة ! .. لا حظت أنه سكت .. فقلت أي انتصار تقصد .. أتسمي هذا انتصارا ! .. ربحت جولات وربحوا جوله .. أتدري لما أنت مقيد .. لن يقيدوك أذا كنت ضعيفا ومهزوما .. أتعتقد أنهم ينامون ليلهم .. إنهم يعدون أيامهم عدّا .. وكل صيحة يسمعونها تزيدهم خوفا .. أتعتقد أن ابنائك بهذا الضعف كي يهزموا .. هل تعتقد أنهم بتلك السهولة .. أعدائك تصعقهم نظرات أبنائك .. وترعبهم تلك العيون .. أنهم لم ينسوا خوفهم ! .. أنت بالنسبة لهم كتنين نام في كهفه .. يخشون وقت استيقاظك .. يعتقدون أنك ستستيقظ كليث جائع .. لهذا يريدون أن تغط في آلنوم !

لكن آما آن لك أن تقوم ، آما آن لك أن تنهض ، آما آن لك أن تنتصر !

رأيت عينيه فإذا هي تستشيط غضبا وتقدح شررا*
رفع يديه ! وسحبهما نحو صدره فتصدعت تلك السلاسل .. ثم صرخ وقام بالسحب بقوة آكبر .. فانكسرت تلك السلاسل وانفرطت حلقاتها .. صرخ مناديا .. أئتوني بأبنائي !*

كانت هذه اللحظة بداية عصر جديد
عصر الملحمة !!

ترقبوا الفصل القادم !
.. لا غنا لنا عن إنتقاداتكم وآرائكم




رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:33 AM   #2
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



(الرجل المقيد بالكلابيب) - الفصل الثاني

بعنوان (( الصدمة ))


... مضى آلوقت سريعا .. وتحدثنا كثيرا كثيرا !
كان الحديث مطولا .. وكان يخبرني بأشياء لم ولن أصدقها .. لكنه بدا جادا .. ولولا أني سمعت قصته ورأيت كيف كسّر السلاسل بيديه العاريتين .. لكنت أتهمته بالجنون .. قبل لحظات ليست بالبعيدة .. سألته إن كان لديه برهان لأصدق ما أخبرني به .. قال لي بصوته المخيف .. الآن سترى برهانين أثنين ! ولكن إذا رأيتهما فلا مجال للتراجع .. قلت له أنا ماضي في هذا الطريق حتى توافيني منيتي .. قال : ستوافيك المنية ! وربما قبل أن تصل! .. ثم خيم الصمت على المكان .. وماهي إلا لحظات حتى لمع جسده ! وأخذ يطلق نورا كالسنا الوضاء .. أنقبض قلبي فجأة .. وعلمت أن هذا هو برهانه الأول .. لم أتوقع أنه سيتركني بتلك السرعة .. لم أتوقع أنه سيتركني أصلا ! .. لم يقل لي أنه سيتركني .. في جعبتي الكثير من الأسئلة له .. ولكن ! .. كيف يبقى معي ؟ فهو ليس ببشر .. سرح تفكيري بعيدا ولم أنتبه للضوء وهو يخفت تدريجيا .. كان على وشك الأختفاء .. رحت أحث الخطى في محاولة يائسة لكي أصل إليه .. ولكن حينما بدأت بالأقتراب .. أخذ الضوء ينطفئ .. توقفت عن التفكير وبدأ لساني بالصراخ لعل أحدا ينجدني .. ولكن لا حياة لمن تنادي .. جسلت القرفصاء جوار حائط .. أفكر في حالي وما أستطيع فعله .. ولكن ذهني عاود التفكير مرة أخرى في كلام ذلك الرجل .. لقد قال لي بأني حينما وجدته قمت بتغيير العالم .. أي عالم ! .. أنا لست في العالم الحقيقي ! .. أخذت أضرب نفسي في كل شبر لعلي أستيقظ من هذا الحلم الغريب .. ولكن لم يحدث شيء .. عاودت التفكير بالرجل وبكلامه .. أشعر وكأني في رواية من روايات الخيال الغريبة .. لاشيء منطقي هنا .. لقد ثقل رأسي على جسدي .. لا أستطيع تحمل كل هذه الأعباء فوق كتفي .. لكن ماذا لو كان كلامه صحيحا ؟ .. يجب أن أخرج من هنا بسرعة .. ولكني وآسيت نفسي قائلا : على كل حال سأنتظر هنا حتى أرى برهانه الثاني وكان الرجل قد أخبرني بطريقة الخروج من ذلك المكان ..

في تلك اللحظة .. صدر من العدم ضحكة تنذر بالشر ( هههه هههه هههههههآآاي )

ثم صرخ صووت مخيف قائلا : ( أنت من أخرج الرجل من سجنه ! .. سأريك أليم عقابي .. سوف تلقا عذابي الأبدي .. أنت سوف تصبح سجيني الجديييد )

وبدأت الغرفة بالإهتزاز .. وتحركت السلاسل متوجهة نحوي .. وبدأ السقف بالأنخفاض سريعا .. أدركت أنها نهايتي ! .. وأيقنت صدق كلام الرجل .. وفي آخر محاولاتي البائسة .. ركضت بحاثا عن المخرج .. قال لي الرجل : هناك شمعة منطفئة في زاوية من زوايا الغرفة ستجد تحتها مقبضا بفتح لك بابا لتخرج منه .. نظرت في الزوايا أبحث عن شمعة منطفئة .. لم أجدها !! .. أيعقل بأنني خدعت .. كانت السلاسل قد أمسكتني مع معصمي .. ولكنني بحركة سريعة أستطعت الإفلات .. ولكني تدحرجت أرضا بعدما ألتوى كاحلي .. وحينما سقطت أرضا رأيت الشمعة .. في الزاوية المكتظة بالسلاسل .. كيف يمكنني الوصول .. لاحظت أن السلاسل تتحرك بعشوائية .. أنتظرت لكي أجد ثغرة تمكنني من الوصول هناك .. ثم أنطلقت .. لكنني وصلت إلى هناك مطروحا في الأرض بسبب كاحلي المصاب .. وبحركة خاطفة .. أخذت السلاسل تلتف حول جسدي .. أخذت أحرك يديّ على غير هدى .. لعلي أجد ذاك المقبض .. لمست يدي شيئا ! .. أنه المقبض .. سرت طاقة في جسدي وأخذت أضرب السلاسل بأقدامي .. و بكلتا يدي حاولت أن أحرك المقبض .. لكنه عالق ! .. لم أستطع تحريكه بيدي .. لقد حانت نهايتي ! .. حاولت الخروج فلم أستطع ..
لاآ .. ليست النهاية .. لففت سلسلة حول المقبض .. ووضعت طرفها الآخر بين أسناني .. وحاولت السحب بكل ما أوتيت من قوة .. تحرك فكي من مكانه ! .. وظننت أنه خٌلع .. ولكن المقبض تحرك .. وانفتح باب في الجدار .. وما إن دخل ضوء الشمس في الغرفة حتى توقفت السلاسل عن الحركة .. أبعدت كومة السلاسل عني .. وحاولت النهوض بجسدي المتهالك .. وبالكاد أستطعت الوقوف على قدمَي .. ثم إتهجت نحو الباب !

كان قلبي يخفق بشدة .. كأنه يريد الخروج أكثر مني .. وما إن خرجت من تلك الغرفة ! .. حتى وقفت مصعوقا ! ولم أبرح مكاني .. فقد شٌل جسمي من هول (الصدمة)


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:33 AM   #3
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



الفصل الثالث

بعنوان ((ستة رؤوس))






إتهجت نحو الباب !

وقلبي يخفق بشدة .. كأنه يريد الخروج من تلك الغرفة أكثر مني .. وما إن خرجت ! .. حتى وقفت مصعوقا ! ولم أبرح مكاني .. فقد شٌل جسمي من هول الصدمة ..


أين السيارات و الطرق ؟ .. أين المدن ؟ .. أين آنا أصلا ؟! .. ما هذا الذي أراه .. لماذا آنا وحيد هنا ! .. أين سيارات الأجرة .. أين الرجال والصبيان ! .. لماذا لم أعد إلى عالمي ؟

ما آراه آمامي .. لوحة صماء ! .. ما آراه آمامي .. مجرد صحححراء

آنا الآن موجود في العدم .. لا أثر للحياة حولي .. صرخت بحنق شديد .. لماذا آنا هناآآآآآآ ؟ .. ما الخطب ؟ كان المفترض أن أعود !

استلقيت فوق التراب .. ورضيت بواقعي .. بقيت اسمع صوت آلرياح لعله يلهمني .. والشمس الحارقة من فوقي .. القيت نظري بعيدا وبدأت ألمح الأفق .. كنت أقلب ناظري بحثا عن واحة .. فقد طلب مني الرجل أن أذهب إلى أقرب واحة عند خروجي .. رأيت العديد من الواحات الخضراء .. هززت رأسي لأبعد هذه التهيؤات عنه .. فالواحات لم تكن موجودة عندما خرجت من تلك الغرفة .. استلقيت من جديد .. وبدأت بتذكر كلام الرجل .. لعلي أتذكر شيئا من كلامه .. آهه صحيح .. لقد أخبرني .. ماذا قال ! ماذا قال ؟ .. لا أستطيع التذكر .. يالي هذا الوضع المزري .. نظرت خلفي إلى الغرفة .. فلم أجدها !! .. أين هي ؟ .. قمت مسرعا فزعا .. وبدأت بالمشي خلف آثاري ... لقد كانت هنا .. أين هي ؟ .. هل أختفت .. هذا ما كان ينقصني .. آنا متأكد انها كانت في هذا المكان .. بدأت آمشي في حلقات مفرغة حول المكان .. وبعد ساعات من البحث المتواصل ! .. لم أستطع إيجادها .. وبدأت قواي تضعف .. فأسترحت مكاني .. كيف لم تترك أثرا ؟ .. وهل هذا هو الشيء الغريب فقط .. فقد آتى وقت الظهيرة ولم أرى بشرا واحدا .. آوهه لقد تذكرت ! .. لقد تذكرت كلام الرجل ! ..x

قال لي الرجل : (( إنتبه فإنك إذا خرجت من هذا المكان ستكون كل ساعة قضيتها معي بعشر من السنين .. وستخرج إلى دنيا آخرى .. لتنفذ مهمتك ))

ضربت رأسي حينما تذكرت .. لقد مكثت معه قرابة اليوم .. هذا يعني أني في بلدي ولكن بعد 200 سنة .. ماذا يجب علي أن أفعل ! .. كنت في حيرة من آمري .. وقمت من فوري .. أسير بغير هدى .. وبلا آتجاه .. كانت أمامي العديد من الواحات .. وأكاد أجزم بأنها سراب .. ولكن لا بأس بالمحاولة ..أخترت إحداها ورحت أمضي قدما .. مشيت ومشيت ومشيت .. مشيت ساعات طوال .. لماذا لا أقترب منها ! .. وكأنها تهرب مني .. لابد أنها سراب .. آنا عطش .. آريد ماءً .. أصبحت رؤيتي مشوهة .. بدأت التهيؤات تهاجمني .. وكأني أصبت بضربة الشمس .. أصبحت أرى خيالات وظلال تتحرك .. بدأت الظلال تكثر من حولي .. أنها تسير مبتعدة في الأتجاه الآخر .. لكن ! .. لكن الظلال لا تمشي .. لا تمشي في الصحراء ! .. هذه نوق (نياق) .. وذاك راعيها ! .. أنهم يبتعدون عني .. يجب علي اللحاق بهم .. ربما أجد عند الراعي ماءً وقليل من الطعام .. بدأت أهرول نحوه .. ثم أصبحت الهرولة جريا .. سقطت على الرمال مرات ومرات .. كان يجب علي اللحاق به .. وعندما آصبحت على مقربة منه .. تعثرت بحجر ! .. فتدحرجت على الكثبان الرملية .. فأنتبه لي الراعي .. وبدأ يصرخ بكلمات لم أسمعها جيدا .. وما إن وصل إلي .. حتى صب علي كما هائلا من الأسئلة .. ولم أكن بأقل منه .. لكنه استوقفني ليقدم لي الطعام .. قدم لي حليبا ورغيفا من الخبز .. ومع أنني لم أشرب الحليب في حياتي .. إلا أنني ارتشفته رشفة واحدة .. ولم أعر طعمه اهتماما .. أخذت اشرب وأشرب .. حتى امتلأ بطني عن آخره .. لكنني لم أتوقف .. بل بدأت برغيف الخبز .. ولم يكن إلا كما كان مع الحليب .. كان الراعي يتأمل فيّ مستغربا .. وقد آخذته الدهشة ! فرفض أن يزيدني من طعامه .. ألا بعد أن أخبره خبري .. وعقد أغلظ الأيمان على ذلك .. فاختلقت له قصة من نسج خيالي .. كنت مجبرا على ذلك .. فإذا أخبرته بقصتي سيرميني بالجنون .. ولا أعلم ماذا سيحدث بعد ذلك .. وحينما أخذت منه طعاما .. سألته عن آقرب واحة من هنا .. قال لي : ( لا توجد واحات قريبة ، هناك واحدة بعيدة ، لكنك لن تستطيع الوصول إليها بأقدامك فخذ واحدة من هذه النوق ، واترك لجامها فإنها تعرف طريقها جيدا )
وقبل أن يرحل قلت له : في أيي عام نحن ؟ .. نظر إلي باستغراب وقال : ( ألا تعرف ) قلت له : بلا ولكنني نسيت ! ضحك قليلا ثم قال : ( نسيت ؟ .. يا لغرابتك ) ثم تابع كلامه ( حسنا .. نحن في عام 1657 من الهجرة ) .. شكرته على كرمه ثم ودعته وانطلقت على ظهر الناقة .. كانت تسير سيرا عسيرا .. أعتدت عليه بعد مدة .. جال ذهني مفكرا .. آممممم إذا كلام الرجل صحيح ! .. آنا لم أعد إلى زماني .. أنا في المستقبل .. ترا كيف هو الوضع الآن .. على ماذا أصبحت هذه الدنيا المتقلبة .. أنا متشوق لمعرفة ذلك .. في الوقت الراهن .. آنا أملك زادي من طعام وشراب .. وناقة ارتحل عليها .. بعد مدة من السير .. إعترضت طريقنا عاصفة رملية .. نزلت عن الناقة لمساعدتها في المشي .. ازداد الوضع سوءا .. ولم أعد أرى يدي حتى .. انفلت لجام الناقة من يدي .. ومع شدة العاصفة ! .. تفرقنا كل في اتجاه .. خرجت من العاصفة باحثا عن النجاة .. وقلت في حسرة : ( للتو كان معي زادي وناقتي ، لم يمضي قليل من الوقت حتى تركاني ) .. ثم مشيت .. إلى أين ؟ .. لا أعرف .. سأمشي إلى أن تنقطع بي الأرض .. أو أجد تلك الواحة ! .. ثم أصبحت أهذي بكلمات لا معنى لها ( بلغا بو ماجا كلابيب مستا افرز اضحى ) .. وبدأ جسدي يرتعش .. ورأسي يدور .. ثم سقطت مغشيا علي !!

فتحت عيني بتثاقل .. فإذا بي أرى عدة أشخاص ! .. يحدقون بي ! .. وحينما حاولت رفع رأسي .. بدأت الدنيا تظلم فجأة .. عددت الرؤوس بسرعة .. وعندما وصلت الرأس السادس .. أصابتني ضربة في مؤخرة رأسي !!


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:34 AM   #4
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



*الفصل الرابع

بعنوان (( أنا فَيصَل ! ))




عددت الرؤوس بسرعة .. وعندما وصلت الرأس السادس .. أصابتني ضربة في مؤخرة رأسي !!


سقطت مغشيا علي .. كيف هذا ؟ .. من المفترض أن أجد من يساعدني .. يبدو لي أنهم مجموعة من قطاع الطرق ! .. أليست هذه الواحة المقصودة ؟ .. هل هناك خطأ ما .. على كل حال .. لماذا قاموا بضربي ؟ .. لقد كنت فاقد الوعي أصلا .. وكنت بينهم كالصريع في مصرعه .. ماذا يريدون مني ؟ .. يبدو بأني سأكون عشاءً لهم هذه الليلة !

بدأت أستعيد وعيي تدريجيا .. خيل إلي أني أسمع أصواتهم .. أنهم يتناقشون في أمري ! .. قال أحدهم : (ماذا سنفعل به ؟ هل نحرقه ؟) فرد أحدهم قائلا : ( لا نستطيع فعل ذلك ؟ سنلفت الإنتباه) فقال آخر : (إذا نحفر له قبرا) .. ثم سكتوا قليلا .. فقال أحدهم : (هل هو رجلنا ؟ هل تراه أتى بالبضاعة) رد آخر : (لا أعتقد ذلك ، يبدو من مظهره أنه عابر سبيل ، على كل .. لن يبيكي أحد عليه) ثم تكلم شخص أعتقد أنه زعيمهم قائلا : (لا نستطيع الجزم بشيء الآن ، ولكننا سنمهله حتى المغيب ، وإلا فعلنا به كما فعلنا بالسابقين) .. ثم لم أستطع سماع أصواتهم .. فقد ذهبوا مبتعدين .. يا ترى ماذا فعلوا بالسابقين ؟ آهه لو أستطعت سماع المزيد .. ثم عن أي بضاعة يتحدثون .. ماذا سيفعلون بي وقت المغيب ؟ يجب أن أهرب من قبضتهم .. ولكن كيف ؟ .. لا أستطيع تحريك جسدي .. وفوق هذا آنا في غيبوبة تامة .. كانت معجزة أنني تمكنت من سماعهم .. ولكن لا زال الغموض يلف المكان .. هناك حلقة مفقودة ! ..*

ثم دخلت في غيبوبة مجددا ..

بعد مدة ليست بالوجيزة .. أستيقظت من غيبوبتي .. وفتحت عيني بتثاقل .. هذه العينين التي ذاقت الويلات والمآسي .. وقلبت نظري في السماء .. إنهرت فجأة ! .. الغروب ! .. إنه وقت الغروب .. ربما هو آخر غروب آراه ! .. آهه يا لجمال هذا المنظر .. هل ستنتهي تلك القصة ؟. أسأموت الآن ؟ .. ولكن ! هذه حياتي .. ولن أدع أحدا مهما كان أن يأخذها مني ! .. في تلك اللحظة .. أحسست بحواسي تفيق من نومهها .. وبأطرافي تفيض بالحركة .. ربما بسبب خوفي ! .. بسبب خوفي من المجهول ! بسبب خوفي من الموت !*

وماهي إلا ثواني .. حتى انتفضت في مكاني .. وقمت آتراقص في تلك الواحة ! هاربا من الموت .. ركضت في مكان مفتوح .. الأشجار عن يميني وشمالي .. زلت قدمي مرات ومرات .. وأصبحت أعرج على قدم واحدة .. و انفتح الجرح في ساقي .. لقد كانو يلحقون بي ! جريت كالمجنون ! .. كل شيء إلا الموت .. كنت أسمع أصواتهم من خلفي .. ولكن لا سبيل ! .. فرجل واحد لا يجابه ستة من الرجال .. ولا سيما برجل أعرج .. سقطت على الأرض .. يبدو بأني كشفت .. فالجميع يصرخ ويلحق بي .. لكن لن أهزم ! .. أخذت أرميهم بالحجارة .. واحدا تلو الآخر .. فهذا أصيبه في رأسه وهذا في قدمه وآخر يتفادها بسرعة فائقة .. غضبوا .. وبدأوا يكيلون لي الشتام والسباب .. نهضت فرحا بما صنعت .. وبي نشوة الأنتصار ! .. أستدرت لكي أكمل هربي .. ولكن !*

ولكن أحدهم باغتني وطرحني أرضا .. وقام بوضع سيفه على عنقي .. حاولت الأفلات ! .. ولكنه كان فوقي كالجبل .. لم يتزحزح .. إلتفت إلى من ضربتهم بالحجارة .. كانوا خمسة ! .. كيف غفلت عن ذلك ! .. بكل أسى قلت في نفسي (لم يكن معهم !)*

ثبّت السيف على الأرض .. وجعله بجانب رأسي .. ثم قام بصفعي على وجهي .. واحدة تلو الأخرى .. ثم قال : ( هل تريد أن تلقى حتفك ؟) نظرت إليه مستغربا .. قال: (لم تهرب؟ لا يجب عليك الوقوف أصلا) .. قلت : (أنتم تقولون!) .. قال : (نقول ماذا؟) .. قلت : (وقت المغيب .. حفر القبر) .. قال: (أيها الغبي!) .. ثم صرخ قائلا (عَاااصِم أحضر حبلا ، وأستدع البقية) .. وما هي إلا لحظات .. حتى أتى المدعو عَاصِم والبقية .. وقاموا بتقييدي بالحبال .. وأسندوني إلا شجرة .. أجتمع الستة حولي .. قال الذي يحمل السيف .. آنت لم تفهم .. لم تفهم شيئا ! .. نحن لسنا أعدائك .. نحن وجدناك قرب هذه الواحة .. وقد كنت في حالة يرثى لها .. وليس معنا ما نخدرك به .. فضربناك لتفقد الوعي .. ولكي نقوم بعلاجك .. ومداوات جراحك .. ألم تلحظ ذلك ؟ .. نظرت إلى نفسي بكل خجل ! .. يداي وقدماي مطببتان .. كيف لم ألحظ ذلك ! .. لم أستطع رفع رأسي .. وقد أحمر من الخجل .. لقد كنت ناكرا للجميل .. قلت له : (أنا آسف! ، لقد أسأت الظن) .. ثم أردفت قائلا (لقد كنت أعتقد أنكم ستدفنونني حيا ، كما فعلتم بالسابقين) .. سقطوا على الأرض .. وتعالت أصوات ضحكاتهم (هههههههههههههههه) .. (ندفنك حيا! ، يا لخيالك الواسع) .. قال الذي يحمل السيف : (على كل حال ، لم يحصل إلا الخير) .. سكتنا قليلا .. ثم أبتسمت وقلت بكل خجل : ( آنا فَيصَل !) .. قال من يحمل السيف : (آوهه ! ، نحن آسفون فلم نعرفك بأنفسنا ، هذا عَاصِم ، وهؤلاء هم مٌحَمّد ، و عَبدٌالمَجِيد ، و مٌعَاذ ، وذاك عَبدٌاللّه ، و أنا أدعى أحمَد)


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:34 AM   #5
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



الفصل الخامس

بعنوان ((أرجوكم لا تأتوا))




في تلك الواحة الخضراء .. ذات الثمار اليانعة .. والماء العذب .. والنمير الصافي .. وجدت نفسي !

لقد قضيت فيها عدة أيام .. أستطيع أن أساويها بأيام عمري كاملة ! .. صحيح أني لم أكن أستطيع الحراك .. إلا أنني كنت في غاية السعادة .. لقد كانوا يهتمون بي طوال آليوم .. فهذا يطببني .. وهذا يحضر لي ما لذ وطاب من الطعام .. وهذا يؤنس وحشتي بكلامه .. حتى تماثلت للشفاء !

دعوني أعرفكم على من قتل وحدتي .. وآنس غربتي .. (أحمَد : أكبرهم سنا ، كثيف الشعر ، له لحية تضفي له مظهرا رجوليا ، يبدو طويل القآمة ، يميل لونه للسمار ، يوجد في وجهه ندبة صغيرة ، يجيد أستخدام السيف بجدارة ، له في هجيع الليل كلام ، يجيد نضم الأبيات و ترنيمها ، كان بمثابة القائد) .. يليه في السن (عَبدٌالمَجِيد : له وجه يضيء كالبدر في الليلة الظلماء ، تحبه من النظرة الأولى ، سمين في مظهره ، يعد طعام شهيا ، حنون الطبع ، طيب المعشر ، كالأم في حنانه وعطفه ، كلامه مليئ بالعبر ، له خاطرة خصبة ) .. يليه في السن (عَاصِم : معتدل القآمة ، صحيح الجسم والقوام ، قوي البدن ، وسيم في مظهره ، لونه يماثل رمال الصحراء ، سريع البديهة ، ذو مبادئ ، يمتلك رأيا سديدا ، حكيم في أموره ، بليغ في كلامه ، يستشار في كل النوائب ، له عينان تحيّرانك ، يمثل شخصية الرجل العربي الأصيل ، يماثل الضرغام في هيبته) يليهه في السن (مٌحَمّد : قصير آلقامة ، أبيض كبياض اللبن ، عالم بالطب والعلاج ، ملم بلغات العجم ، محب للمرح ، واسع المعرفة ، له رأي في كل الأمور) يليه في السن عَبدٌاللّه ثم مٌعَاذ .. فأما مٌعَاذ فهو (شقيق عَاصِم الأصغر .. تشاطر معه كثيرا من الصفات ، يمتاز ببشاشة الوجه ، مجالسته تؤنس الوحشة ، له فراسة لا تخطيء) .. وأما عَبدٌاللّه فهو الذي أجّج حيرتي .. لأنه يماثلني في كل الصفات .. ولم يكتف بذلك! .. بل حتى ماثلني في تركيبة جسدي !


في الليلة التالية .. أمسينا نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث .. وتعالت ضحكاتنا .. حتى قال عَبدٌاللّه !
عَبدٌاللّه : كم تبلغ من العمر يا فَيصَل ؟
.. في هذه اللحظة حاولت الإيجاب .. ولكني لم أستطع .. سكت كأنما أنقطع لساني .. ثم بدأت بالتلعثم .. لاحظوا ذلك علي ! .. كيف لي أن أجيب ؟ .. آنا شخصيا لا أعرف مقدار عمري ! .. آنا من الماضي .. آنا ولدت قبل أكثر من مئتي سنة .. هل يزيد عمري على المئتين ! .. ولكن اذا عددت أيامي .. أجدني لم أبلغ العشرين .. كيف هذا !
تداركت نفسي .. وملأت وجهي بتلك الضحكة المصطنعة .. ثم قلت مازحا : آنا آكبر منكم بمئتي سنة !
إنفجروا يضحكون ..
وقال مٌعَاذ : لما لا تعترف بأنك أصغرنا !
فَيصَل : لن أعترف ! .. على كل حال .. هناك أمر يحيرني !
عَبدٌالمَجِيد : وما هو ؟
فَيصَل : إني أراكم هنا وحدكم .. فأين أهلكم عنكم ؟
عَبدٌالمَجِيد : هناك من أهله ليسوا على قيد الحياة جراء الحروب والصراعات .. وهناك من ترك أهله إما طلبا لرزق أو رغبة في قتال الأعداء !
أحمَد : وعلى كل حال .. لم نعد نحتاج لهم .. فقد إعتدنا على هذه الحياة
فَيصَل : وما حال الناس آليوم !
عَاصِم : حالهم يسر ولا يسر ! .. بعد أن تغيرت الدنيا قبل عدة عقود .. عاد الناس إلى بارئهم .. ولكن .. لا زالت تلك الصراعات بينهم .. أمتنا مفرقة ! .. نحن نحتاج إلى قائد !

.. في هذه اللحظة أتى مٌحَمّد وقال سائلا !
مٌحَمّد : كيف حالك يا فَيصَل ! هل تعافت جراحك ؟
فَيصَل : أجل .. شكرا لك .. لولا الله ثم مهارتك لكنت في عداد الموتى الآن !

في تلك اللحظة .. وفي جوف الليل !.. سمعنا صوتا مريبا .. أنه صوت جري الخيول !

صرخ أحمَد قائلا : أنهم قطاع الطرق .. أختبؤووا !

كانت الواحة كثيفة الأشجار .. مما ساعدنا على الأختباء .. إختبأ الجميع .. تواريت خلف شجرة كبيرة .. وأستلقى إلى جانبي عَبدٌاللّه .. لم أكن أعلم أين البقية .. لكن على ما يبدو أنهم أختبؤا جيدا .. أتى قطاع الطرق .. تجاوز عددهم عشر رجال .. ومع ظلام الليل ! .. كانت رؤيتنا مستحيلة .. أخذوا يمشطون الواحة ذهابا وأيابا .. كانوا يبحثون عنا .. كيف علموا بمكاننا ! .. وبما أننا أقل منهم عددا وعدة .. لم يكن بأيدنا سوى الأنتظار .. صاح أحدهم قائلا (أين هم ؟ .. هل خدعنا ؟) .. أجاب أخر (يبدوا أنهم علموا بقدومنا) .. وعندما هموا بالعودة أدراجهم .. سعل عَبدٌاللّه بقوة ! .. لم يكن يستطيع التحمل أكثر من ذلك .. فقد كان غبار الأرض يملأ وجهه .. ويكتم أنفاسه .. لاحظ قطاع الطرق الصوت ! .. فتوقفوا مكانهم ! .. تعالت ضحكاتهم وصرخ أحدهم بغضب (أيها الوضيعون! .. أتضنوننا سذج) .. عادوا إلينا .. وأستلوا سيوفهم .. توجهوا نحو الشجرة .. أمتلأ قلبي رعبا .. رأيت عَبدٌاللّه فإذا عيناه جاحظتان .. صرخ أحدهم (أخرج أيها الأرعن .. أخرج وإلا قطعناك إربا إربا) .. لا أعلم ما جرى ! .. ولكني خرجت من مكاني بدلا عن عَبدٌاللّه .. ربما لأني بأنه يذكرني بأخي ! .. أو لأرد الجميل إلى أصدقائي .. لم أكن أعرف لماذا ! .. أتى أحدهم إلي .. وقد كان عريض المنكبين متين القآمة .. أمسكني من عنقي .. وأحكم الرباط على يداي .. ثم طرحني أرضا .. وقام بغرس خنجره في ساقي .. أصاب جرحي ! .. فأطلقت صرخة صعقوا منها .. ودوت في الواحة سريعا .. أعتقد أن أحمد والبقية سمعوها .. قام الرجل بركلي على معدتي عدة مرات .. حتى بدأت أسعل دما .. ثم قال لي معنفا (أين البقية ؟ أين ذهبوا ؟) .. (تكلم ، هل أنت أصم) .. أجبته وقد أتقنت دور البريء (آنا هنا لوحدي ، لم أرى أحدا هنا! ، أتوسل إليك دعني أذهب).. ضحك هذا الرجل .. ضحكة مخيفة ! .. ثم قال (سيفرح الزعيم حينما يلهو بك ، أحضروه يا رجال) .. قام مجموعة منهم بسحبي على الأرض .. وربطوني إلى إحدى الخيول .. ثم تجهزوا للعودة لزعيمهم !

في هذه الأثناء .. وبينما كنت أنزف دما .. مزقت قطعة من لباسي .. وبكل ألم وحرقة .. رميتها على الأرض !
بعد أن كتبت عليها بدمي .. ((أرجوكم لا تأتوا))


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:35 AM   #6
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



الفصل السادس
بعنوان (( الخُطّة 1 ))




بينما كنت أنزف دما .. مزقت قطعة من لباسي .. وبكل ألم وحرقة .. رميتها على الأرض !
بعد أن كتبت عليها بدمائي .. أرجوكم لا تأتوا !

كان هذا رجائي الأخير .. أرجوكم أبتعدوا عني .. أتركوني لمصيري المحتوم ! .. كنت أنظر إلى الفضاء الواسع بشغف .. وإلى السماء لعلي أجد حلا لمعضلتي هذه .. ألقاني قطاع الطرق فوق إحدى الخيول .. وأحكموا إليها وثاقي .. حيث جعلوني مستلقيا على ظهري .. ووجهي إلى السماء .. لقد كان الطريق طويلا .. أو هكذا تخيلته ! .. كنت كالميت في نعشه .. والناس يسوقونه نحو قبره .. فلم يحتمل فراق الدنيا .. ولم يحتمل وحشة الموت ! .. لقد سرنا مسيرة نصف يوم ! .. كان أغلبنا فوق الخيول .. والقلة القليلة كان يسيرون على أقدامهم .. لم أحتمل طول الطريق .. ولم يطب لي مضجع ! .. فقد كانت ساقي تؤلمني .. ودمي مستمر في النزيف .. لكن ألآم قلبي أكبر ! .. هل هناك أمل يا ترى ؟

وصلنا إلى الزعيم وقت السحَر ..*

لكن ! .. في هذه الأثناء وعند مسير قطاع الطرق .. ومغادرتهم تلك الواحة !

أجتمع الستة كلهم .. وقد ذهلوا من سير الأحداث المفاجئ .. وبدا يتضح لهم أن الأمور بدأت تأخذ منحنى الجدية .. قال عَبدٌاللّه منفعلا ..
عَبدٌاللّه : لم لا نذهب خلفهم ! .. لم أنتم صامتون ؟

لم ينبس أحدهم ببنت شفة ..

أردف عَبدٌاللّه بغضب : لقد إنتزعوا رفيقنا منا .. أليس في قلوبكم رحمة ! .. لقد ضحى بنفسه من أجلي .. يجب أن ننقذه .. أنظروا إلى دمائه ! ألا تسمعون إستنجاده وصياحه .. ألا تسمعون صراخاته في قلوبكم !

لم يتكلم أحد ..

أقترب منهم .. وأخذ يهزهم فردا فردا .. (ما الذي حل بكم ؟ .. أخبروني ! .. أيأخذون رفيقكم في جوف الليل وأنتم تحدقون ببلاهة !) قال عَبدٌاللّه*

أجابه عَاصِم قائلا : هؤلاء قطاع الطرق ! .. لا قوة لنا عليهم ..*

أجاب عَاصِم وليته سكت ! .. تسمر عَبدٌاللّه في مكانه واقفا .. فلم يتوقع مثل هذه الأجابة*

عَبدٌاللّه : حسنا إذا .. سأذهب وحدي .. وهل خلقت الخراف لغير الرعي !
مٌعَاذ : إنتظرني سأذهب معك ! .. فأنا جيد في إقتفاء الأثر

عندما ذهب عَبدٌاللّه ومعاذ .. سأل عَبدٌالمَجِيد عَاصِمًا !
عَبدٌالمَجِيد : عَاصِم .. لم أمرتنا بالسكوت ؟
مٌحَمّد : إن كلامهم عين الصواب .. يجب أن نلحق بهم !
أحمَد : عَاصِم .. هل لديك خطة ؟
عَاصِم : أجل .. لدي خطة .. لكن لم خالف مٌعَاذٌ أمري ؟ .. على كلٍ .. أنظروا لقطعة القماش هذه !

نظر الجميع .. ذهلوا مما فيها ! .. وأخذتهم الدهشة ..
مٌحَمّد : لم كتب هذه الرسالة ! .. هل تراه يقول الحقيقة ؟
عَاصِم : لا أعتقد ذلك ..
أحمَد : هل كتبها بدمه ليحمينا ! .. أخبرنا أين وجدتها ؟
عَاصِم : لقد كنت أراهم حينما غادروا .. رأيت فَيصَلاً يغالب نفسه .. ويكتم عَبرَتهُ وصَرخَته ! .. وبعد برهة من الزمن ألقى شيئا .. لم أعرف ما هو ! .. وعندما غادروا .. بحثت في ذلك المكان فوجدت هذه الرسالة !
عَبدٌالمَجِيد : حسنا حسنا .. أخبرنا يا عَاصِم ! .. ما هي خطتك ؟
عَاصِم : هلموا إلي !!


حينما وصل قطاع الطرق .. كان الزعيم بانتظارهم على أحر من الجمر !*

يتواجد في مخيمهم قرابة العشرين رجلا .. ومع العشرة الذين وصلوا .. أصبح عددهم يقارب الثلاثين .. كانت هناك حضيرة يحتفظون فيها بالخيول .. ويتألف مخيمهم من سبع خيام بما فيها خيمتان للمؤنة والسلاح .. (كان الزعيم يبدو رجلا نزقا ، سيء الخلق ، أقصى إهتماماته ملأ بطنه ، بدا لي من الوهلة الأولى أن إحدى يداه مبتورة) ..*
أقبل الزعيم بلباسه الغريب يتبختر ثم قال : (أروني ما الذي غنمتم) .. أجابه أحدهم قائلا (نحن آسفون يا زعيم .. لم نجد ذلك الكنز .. لكننا لم نعد فارغي الأيدي .. أحضرنا لك عبدا !) نظر إليّ زعيمهم ذاك وقال (ما هو إسمك؟) .. لم أعره أي إهتمام .. فأقبل يجر الخطى نحوي .. أمر بإنزالي من علا الخيل .. وطأت أولى قدماي الأرض .. ( أخيراً ) هذا ما قلته في نفسي .. ولم ألبث أن أخرجت صرخة مكتومة حينما حركت الساق المصابة .. أحس الزعيم بتلك الصرخة .. رفع رأسي إليه وقال باستهجان (ما بالك ؟ .. ألم يشتد عودك! ) .. ثم قال بسخرية : (أم يبدو أن الرجال قسوا عليك قليلا) .. أطلق الجميع ضحكة ساخرة ! .. لزمت الصمت حتى أنتهوا من قهقهتهم تلك ! .. ثم رددت قائلا (هل تريدني أن أقطع يدك الأخرى ؟) .. ذهل الجميع .. وتغيرت قسمات وجوههم .. إستغرب الجميع من ذاك الفتى الأسير الذي تحدى زعيمهم ! .. إمتلأ الزعيم حنقا وغيضا .. (ماذا قلت أيها الصغير !) قال الزعيم .. رددت عليه بسخرية : (يدك مبتورة ! وفوق ذلك لا تسمع .. حالك يرثى لها) .. صفعني على وجهي بقوة ! .. وضرب ساقي بغمد سيفه .. لم يخطيء غمده جرحي .. فسقطت على الأرض وأصبحت أتقلب من الوجع .. (تعلم إحترام الكبير يا فتى) هذا ما قال قبل أن يصدر أوامره لرجاله قائلا (أسجونه في القفص ! .. ولا تدعوه يذق طعاما) .. حملني رجلانِ منهم .. وألقوني في ذلك السجن .. كان يبدو كأقفاص الحيوانات التي في السرك .. فقد كان عربة تستطيع جرها الخيول .. وممتلأة بالألوان الزاهية .. ويوجد فيها بقايا شعر وأظفار ليست كما هي لدى الإنسان .. أحكموا إغلاق الباب ! .. كانت قضبان القفص تحيط بي من كل الجهات .. ولم يكن هناك حائط يحجب الرؤية .. كنت منعزلا في قفصي .. فالخيام كانت بعيدة .. ولم يكن حولي إلا شخص يبدو صغيرا في السن .. أعتقد أنه حارس القفص !*

.. مضى الوقت ببطء .. وأصبحت أعاني من الحرارة .. فالقضبان كانت تغلي .. والأرض لم تعد صالحة لجلوس أو وقوف .. ولازال الجرح يؤلمني ! .. حتى مع لفّه بالقماش .. بدأت ألهث كما تلهث الكلاب .. فلم أعد أحتمل ! .. كنت في غاية العطش .. الحارس ! .. لا بد أنه يحمل شرابا .. حاولت إستعطافه قائلا : (الشمس حارقة .. أتعطيني قليلا من الماء أروي بهِ عطشي) .. لم يجبني ! .. بل نظر فيّ نظرة متفحصة .. ثم ألقى إلي قربة كانت بجانبه .. شربت حتى أرتويت .. بل تابعت الشرب حتى أحسست بأن بطني سينفجر .. حمدت الله بعد إنتهائي .. ثم شكرته وبالغت في ذلك .. سألته عن إسمه فأجابني (أنس!) .. كان يقتصر على الإجابات القصيرة .. (هل سأبقى هنا طويلا؟) سألته .. فتمتم لي قائلا (لا علم لي) !


في محاولة يائسة للهروب من هذا الحر والسَّموم .. إضطعجت لأنام .. لم يكن لدي حل ! .. فحرارة الشمس لا يمكن إتقاؤها أو تجنبها .. وحينما أستغرقت في النوم .. أيقظتني جلبة حصلت في المخيم .. تعالت الأصوات .. حاولت إمعان النظر .. كان الرجال متكومين فوق بعضهم البعض .. يكيلون لبعضهم الضربات !

بعد لحظات .. أقبلوا يسحبون رجلين .. فتح أنس باب القفص .. ثم دخل الرجلان .. لم أصدق عيناي! .. كيف هذا ! .. صحت في وجه الرجلين (ما الذي أتى بكما ؟)


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:36 AM   #7
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



الفصل السابع

بعنوان (( الخُطّة 2 ))


حاولت جاهدا إخفاض صوتي .. فقد يسمعنا أحدهم .. من الأفضل أن أتظاهر بعدم معرفتهم .. أومأت برأسي لهم .. علهم يفهمون ما أفكر به !

كانت حالهم يرثى لها .. ملابسهم رثة .. أشعثان أغبران .. طيبة القلب وحسن النية دفعتهم لفعل ذلك .. ولكن أين التعقل ! .. لم فعلوا ذلك بطريقة هوجاء ! .. ألا توجد طريقة أخرى .. أمّا أن يلقوا أنفسهم للعدو ! ..فلا يوجد ما يسوّغ لهم ذلك .. هذا إنتحار !

قلتها مرة أخرى .. (ما الذي أتى بكما؟) تمتمت بحذر .. قال عَبدٌاللّه بعد أن تأكد بأن لا أحد في الجوار ..
عَبدٌاللّه : أنت هنا ؟ .. كنا نبحث عنك
فَيصَل : ألم أنهاكم عن ذلك !
عَبدٌاللّه : تختطف من بيننا ، ثم تقول بأنك نهيتنا عن البحث عنك !
فَيصَل : أجل نهيتكم .. ألم تقرؤوا الرسالة ؟
مٌعَاذ : أي رسالة ؟
فَيصَل : لقد كتبت لكم رسالة .. ألم تروها !
عَبدٌاللّه : لا .. لم نرى شيئا .. أخبرنا ما الذي كتبته فيها ؟
فَيصَل : لا شيء لا شيء .. كم أنتم أغبياء ! .. إذًا أين البقية ؟
مٌعَاذ : لن يأتوا !
(يبدو أن الكبار قرؤوها ، حمدًا لله على ذلك .. فموت إثنان أهون من موت الجميع ) قلت في نفسي !

ساد الصمت المكان .. ومرت لحظات بلا أدنى صوت .. جلست في إحدى جوانب القفص .. أخذا يرتبان هنداميهما .. ثم جلسا أمامي !

كان الفرح يغمرهم .. وجدوني حيًّا وهذا ما يهمهم ! .. أخذا يتنفسان الصعداء .. متسع من الوقت أمامنا .. قبل أن نغادر هذه الدنيا ! .. (الزعيم يتسلى بعبيده قبل أن يلقيهم للكلاب !) هكذا قال أنس ..

كسرت حاجز الصمت بسؤالي ..
فَيصَل : حسنا حسنا .. أخبراني لم أنتما على هذه الحال ؟
مٌعَاذ : قصة طويلة سأوجزها لك .. فبعد أن عزمنا على اللحاق بك .. لم نجد ما نركبه .. تناوبنا على خيل واحد .. مضينا في رحلة صعبة .. شاقةً كانت ! .. بالكاد تتبعنا أثاركم .. فلم تبقِ الريح على كثير منها .. لم نكن متأكدين مما نتبعه .. حتى وصلنا مخيما يعج بقطاع الطرق .. هؤلاء من نبحث عنهم ! .. بعد أن وجدنا ضالتنا .. أخذنا نرصد التحركات بكل حذر .. لم نلحظ وجود قفص .. ولم نلق بالاً لذلك .. حتى آتى ذاك الرجل على حين غفلةٍ منا (أخذ يشير بيده) .. قلت في نفسي (أنس!) .. رأى بين أيدينا طعاما أخذناه منهم خلسة .. أخذ يصرخ وينادي .. لصوص لصوص ! .. حاولنا إسكاته .. لكن عبثًا كنا نحاول .. إن هي إلا لحظات .. وإذا بالرجال يحيطون بنا .. من كل حدب و صوب .. فوجئنا بهم .. لم يقبلوا نقاشا او تفاوض .. أخذوا يكيلون لنا الضربات .. لم يدعوا موضعا إلا أصابوه .. ثم بعد ذلك .. أخذوا يسوقوننا سوقًا .. نحو القفص .. نحوك آنت !
عَبدٌاللّه : لدي سؤال لك يا فَيصَل .. أتسمح لي ؟
فَيصَل : بالطبع
عَبدٌاللّه : أخبرني لم فعلتها ؟ .. لم فديتني ؟ .. لم تكن بحاجة ذلك !
فَيصَل : هناك سبب .. سبب واحد فقط .. لأنك تشبهه جدًا ! .. مظهرك ، تصرفاتك ، كلامك .. آنت تذكرني به !
عَبدٌاللّه : من هو ؟
فَيصَل : إنه أخي .. أخي التوأم !

ساد الصمت المكان .. وتسللت دمعة من عيني .. عكست صورةً لمنظر غروبٍ يلوح في الأفق .. أحس مٌعَاذٌ بها ! فغير مسار الحديث .. وبدأنا بالثرثرة في مواضيعٍ جانبية !

أخي .. أين أنت ؟ .. هل تراك حيًّا ؟ .. آنا ذاك الغبي ، آنا الأحمق .. هل تتذكرني ؟


عندما حل الليل .. وجن علينا ظلامه .. أردنا النوم وعبثا كنا نحاول .. لم ننم ثانية واحدة .. طال ذاك الوضع .. ولكني أنهيته بسؤالي ..
فَيصَل : مٌعَاذ .. أأنت مستيقظ !
مٌعَاذ : أجل
فَيصَل : هل بإمكاني أن أسألك سؤالا شخصيا !
مٌعَاذ : بالتأكيد يمكنك ذلك
فَيصَل : من أنت ! .. أقصد ما الذي حدث لك ولأخيك حتى أصبحتم على هذه الحال .. بلا أهل ولا مأوى ؟
مٌعَاذ : سؤالك مؤلم .. أأحدثك عن الخيانة ! .. أم عن التشرد وفقدان الأهل .. أم عن الحروب و ويلاتها !
فَيصَل : أكل ذلك حصل ! .. أعتذر عن تطفلي ولكن زدني خبرًا
مٌعَاذ : لك ذلك .. كنا في قرية صغيرة .. لا نعرف إلا رايات السلام .. بعيدين عن الحروب ومكائدها .. حتى أتى ذلك اليوم .. دخل القرية عدو .. خرب بيتنا وهدم مسجدنا .. أحرق أشجارنا وأستولى على موطننا .. ولم يكتف بذلك ! .. بل يتم أطفالنا .. وأغتصب نسائنا .. قتل إخوتي وأصحابي .. لم يبقَ إلا آنا وأخي .. تشردنا في الأرض .. وتهنا مع التائهين .. عزمنا على التغيير .. عزمنا على الإنتقام ! .. أخذنا نجمع الفتات .. الجميع أنضم إلينا .. ولم نزل بعدونا حتى خرج ذليلا صاغرا .. لم نتوقف ! .. أصبحنا نطارد الأعداء في كل مكان .. لم نسمع بعدوٍ إلا وأذقناه كأس الماء مرًّا .. نذرنا حياتنا للقت.....!

في هذه اللحظة .. إشتعلت إحدى الخيام .. إنها خيمة المؤونة ! .. إنتصبنا واقفين .. مشهد مرعب .. الجميع يصرخ (حريق حريق .. أحضروا الماء .. حرييييق .. أنقذوا الطعام .. أسرعوا بالماء) .. أمتلأ المكان بالفوضى .. وصار في المخيم صخب كثير .. إختلط الحابل بالنابل !


حتى صرخ أحدهم مناديا .. كرر كلامه عدة مرات .. صعقنا من سير الأحداث .. و ازدادت حيرتنا ! .. فقد دخل طرف آخر القصة !

كرر الرجل نداءه للمرة الآخيرة ..

(الزعيم .. أختطف الزعيم ! .. رجل أسود .. إلحقوا بالرجل الأسود)


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:37 AM   #8
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



*الفصل الثامن

بعنوان (( الخُطّة 3 ))




سار الرجلان معا .. وبخطى حذرة اتجها نحو المخبأ .. كانا يمتطيان خيولا سوداء .. آما الرجل الثالث .. فبعد أن ابرحوه ضربا .. قاموا بتقييده على إحدى الخيول .. واجلسوه بوضع معكوس إمعانا في الإهانة .. لم يطعموه .. ومع شدة الحرارة لم يسمحوا له بشرب الماء .. إقتربوا من مكانهم المنشود .. وما إن وصلوا .. حتى كشف الرجل الأسود عن وجهه وقال : هل تذكرتني ؟ أيها الـــ .. أيها الزعيم*
أخذته الدهشة .. وامتلأ قلبه الأسود رعبا .. لم يكن يتوقع ذلك !*
سأل بانفعال : ألم تمت ؟ .. من أخرجك من قبرك ؟ .. ولماذا قمت باختطافي !
الرجل الأسود : أترى هذا الجرح في وجهي ؟ .. إنه ذكرى آخر لقاء لنا .. أيها الخائن !*
الزعيم : أنا لست خائنا ! .. بل أنت كنت ساذجا .. لم أجبرك على فعل شيء .. نحن نعيش في غابة .. والسّبعُ أكل الغزال .. أتسمي هذه خيانة ؟
الرجل الأسود : إنتبه لكلامك فأنت الأسير هنا !
الزعيم : وما هي طلباتك ! .. ماذا تريد فداءً لي ؟
الرجل الأسود : لا أريد فداءً .. حان الوقت لكي تحاسب على ظلمك وطغيانك .. ستبقى أسيرا طوال عمرك .. إن كان تبقى لك عمر !
وراح الرجل الأسود يسير مبتعدا عنه
صرخ الزعيم قائلا : سأعطيك ما تريد .. خذ كل أموالي .. خذ أي شيء .. أعدك بأني لن أفعل شيئا سيئا .. أتركني فقط !

أقترب الشخص الآخر إلى الرجل الأسود وهمس في أذنه قائلا : (كل التجهيزات قد تمت .. سنرسل الرسالة !)






في المخيم .. وأثناء مكوثنا في القفص*


طلع الفجر معلنا إنقضاء هذه الليلة .. وانطواء صفحتها .. لم تكن بالصفحة السعيدة .. وكيف تكون ونحن تتلقفنا المصَائِبُ من كل جانب .. لم ننم منذ عدة ليالي .. وجوهنا شاحبة .. ورُسِمت حول أعيننا حلقات سوداء .. أمضينا ليلتنا ننتظر من يأتينا بالخبر .. بخبر تلك النيران ! .. لم يأتِ أحد .. فالخيام امتلأت بالفوضى .. ونحن عديموا الأهمية بالنسبة لهم !

العنكبوت ! .. قد يعيش إذا فقد رأسه .. ولكنه سيسير بغير هدى .. لن يسير أصلا ! بل سيبقى متخبطا في مكانه .. إن المخيم أشبه ما يكون الآن بعنكبوت قد فقد رأسه ! .. مجرد التفكير في ذلك الأمر يزيد توتري !

ما قصة إختطاف الزعيم ؟ .. ومن هو الرجل الأسود ؟ .. هل هو منقذٌ لنا أم قاطع طريق آخر ؟ .. بقينا نتساءل طوال الليل .. حتى آتانا أنس بيديه طعام وشراب .. قدمه إلينا .. وباستغراب تسللت أيادينا النحيلة نحوه .. وببطون خاوية .. أزلنا كل ما على الصحفة من طعام .. تساءلنا عن سبب تقديم الطعام على غير العادة .. لم يجبنا بشيء .. بل أمرنا بالخروج بعد أن أرجع حاجيتنا إلينا .. أهذه خدعة ! .. هل عفي عنا ؟ .. بقينا في مكاننا مستغربين .. سألناه عن السبب ؟*
فقال : لقد وصلتنا رسالة من الرجل الأسود ! قلت : و إن يكن !*
قال : إن محتوى الرسالة عنكم أنتم .. إنه يريدكم أحياء !
إلتزمنا الصمت لكي يواصل كلامه ..
تابع كلامه قائلا : لقد وصلتنا رسالة كتب عليها بالدماء ..
(( شمال المخيم وأثناء وقت الغروب .. ستكون مبادلة الأسرى ! .. سنقطع إصبعا من الزعيم كل يوم في حال رفضكم .. وبعدها سنقتله !*
ولن يكون الأخير .. نعدكم بذلك !*
ملاحظة : قُطع الإصبع الأول ))

خرجنا من القفص .. كان أنس يحاول أن يعرف هوية الرجل الأسود بأسئلته الكثيرة .. لم نكن نعرف بم نجيبه .. كنا في حيرة من أمرنا .. يتضح من مجرى الأحداث أن الرجل الأسود صديق لنا .. لكن لو كان صديقا .. فلم لم ينقذنا منذ البداية .. عندما حرق الخيام .. لم تكبد عناء إختطاف الزعيم ومبادلة الأسرى .. هل بينه وبين الزعيم عداوة ! .. من الطبيعي ذلك فقطاع الطرق كثيروا الأعداء .. أم أنه يحاول تمويه شخصيته بإنقاذنا ! .. يراودي شعور سيء حيال هذا الأمر .. من هو الضحية القادمة يا ترى ؟

وصلنا إلى قطاع الطرق .. لم يكونوا في نزاع .. يبدو بأنهم أجمعوا أمرهم قبل مجيئنا بفترة .. خاطبنا أحدهم قائلا : (لا نستطيع التضحية بزعيمنا .. اليوم و عند الغروب .. ستمضون في حال سبيلكم .. ومن يدري ! قد يكون صديقكم الذي تحسبونه جنةً نارًا عليكم .. أو نلتقي من جديد فننتقم منكم !)

مضى الوقت بسرعة .. فعلنا ما يحلو لنا في مخيمهم البائس .. فقد كنا من ضحكنا في النهاية .. إقتربت الشمس من الغروب .. توجهنا نحو النقطة المحددة .. خرج كل الرجال برفقتنا .. كان أنس هو من يقودنا .. وعلى بعد عدة خطوات منا .. وقف ذاك الرجل الأسود ممسكا بسيفه الذي وضعه فوق عنق الزعيم !*

قال الرجل الأسود مخاطبا الزعيم : (أرأيت مدى غبائهم ، نسوا أن يبقوا أحدا لحراسة المخيم) .. غضب الزعيم .. وازداد غيضا حينما شعر بعجزه .. فلو تكلم لكان نصل السيف أسرع من لسانه .. بدأت مبادلة الأسرى .. وبخطواتنا الخائفة تحركنا وتحرك الزعيم معنا .. تلاقينا في نقطة المنتصف .. لاحظنا غضب الزعيم وغيضه .. همسنا بضحكات خافتة .. أكاد أن أجزم بأنه قد سمعها .. فقد أعصابه .. وبعينيه الحادتين .. رمقنا بنظرة .. ثم لم يلبث أن توجه نحونا ورفع يده ليبطش بنا .. لكن هيهات ! .. فقد بدأ الصخب !

إشتعلت نار في المخيم .. لم تكن واحدة .. إنها واحدة إثنتان ثلاث أربع نيران .. والعدد في أزدياد .. لم تبقى خيمة سليمة .. جميعها أكلتها النيران .. وبدأت بمسحها عن بكرة أبيها .. ركضنا نحو الرجل الأسود .. كان بانتظارنا معدًّا الخيول .. لحق بنا أنس ! .. تخبط الرجال مكانهم .. لا يعلمون ما يفعلون ! .. هل ينقذون الخيام أم يلحقون بالرجل الأسود .. فجاء أمر الزعيم منقذًا لهم : (ليلحق بالرجل الأسود من يمتطون الخيول ، أما البقية فليعودوا معي نحو المخيم ، أسرعوا أيها الحمقى) .. أمتطينا الخيول سريعا .. أربعة خيول كان الرجل الأسود قد أحضرها معه .. هناك خيل إضافي .. خاطب أنس الرجل الأسود قائلا : (أرجوك يا سيدي خذني معك !) .. نظر لي الرجل الأسود وكأنه يسأل عن رأيي .. قلت له (لا مانع .. أليس كذلك !) .. أومأ برأسه .. فصعد أنس الخيل الرابعة بسرعة .. كان قطاع الطرق خلفنا .. صرخ الرجل الأسود لخيله .. فأصدرت صهيلا مهيبا .. ثم مضت تسابق الريح .. فعلت ذلك مع خيلي .. فأصدرت صهيلا مشابها ثم أخذت تشق الريح بسرعة كسابقتها .. الجميع فعل ذلك .. نظرت إلى الخلف .. كان المخيم يحتضر .. شيء واحد بقي شامخا .. إنه القفص !*

بدأت المطاردة .. قطاع الطرق كالكلاب المسعورة .. ونحن نجري أمامهم .. لوهلة .. بدأت أشعر بأنهم يتناقصون .. بل إنها حقيقة .. أنهم يتساقطون واحدا تلو الآخر .. كيف ذلك ! .. إعترض طريقنا رجلان يمتطيان جواديهما .. رجلان أسودان ! .. قالا بحزم (إنتهت عملية نصب الفخاخ ، لن يبقى منهم أحد!) .. قال الرجل الأسود (حسنا فعلتما) .. لم تمضِ ثوان حتى أتى شخص آخر .. كان رجلًا أسودًا أيضًا ! .. قال: (تم حرق الخيام والإستيلاء على الغنائم بنجاح) .. لم نفهم شيئا ! .. لماذا كان يتواجد أربعة رجال يكتسون السواد ؟ .. سألناهم باستياء (أخبرونا من آنتم ؟) .. رد الجميع وبصوت واحد بعد أن أزالوا تلك الصبغة السوداء عن وجوههم ..*
((نحن منقذوا الضعفاء وسامعوا النداء ، نحن أعداء الزعيم غضنفر !))*


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:37 AM   #9
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



الفصل التاسع

بعنوان (( الرجل الأسود ! ))



رد الجميع وبصوت واحد بعد أن أزالوا تلك الصبغة السوداء عن وجوههم ..*
((نحن منقذوا الضعفاء وسامعوا النداء ، نحن أعداء الزعيم غضنفر !))*

تبادلت مع صاحبيّ النظرات .. هل ما نراه حقيقة ؟ .. الذين يكتسون السواد ! .. قد كشفوا عن أنفسهم ..

امتلأت وجوهنا بملامح غريبة .. فتحنا أعيننا بدهشة .. أخذت أفواهنا تأخذ شكلا منحنيا .. أطلقنا ضحكة في الهواء .. تعالت صرخاتنا .. وانسكبت دموعنا .. ارتمينا في الأحضان .. قلت بصوتي الباكي ( عَاصِم ! .. والبقية أيضًا ! .. كنت أنتظركم ) .. لم أستطع أن أتابع الكلام من فرط بكائي .. فمشاعر الفرح لم تبالي بنا .. أخذت أعانقهم واحدًا تلو الآخر .. تبادلنا التهاني .. حمدنا الله على السلامة !

سألت بعتاب : ما الذي أخركم ؟ .. لم كل هذا ؟ .. كان يجب عليكم إنقاذي فقط .. لم اختطفتم الزعيم (غضنفر) ؟ .. وقبل كل ذلك ! .. لم سمحتم لمٌعَاذ و عَبدٌاللّه بالمجيء ؟

مٌحَمّد : تمالك نفسك .. أكل هذا تريد معرفته !*
عَبدٌالمَجِيد : دعه يا مٌحَمّد ..*
ثم نظر إلى عَاصِم وقال : أخبره بالقصة يا عَاصِم !
عَاصِم : حسنا حسنا .. سأخبرك بكل ما تريد معرفته .. ولكن أنصت إلي .. في البداية وبعد أن قرأنا رسالتك !
قاطعه مٌعَاذ : أي رسالةٍ تلك التي لا تمّلون من *الحديث عنها طِوال الوقت ؟
عَاصِم : إنها رسالة أرسلها فَيصَل إلينا قبل أن يغادر مع قطاع الطرق الواحة ..*
مٌعَاذ : ولم أخفيتم أمرها عنّا ؟
عَاصِم : أنت لم تترك لنا مجالا لإخبارك .. طلبنا منك أن تقعد معنا فأبيت ! .. فهل يقع اللوم علينا أم عليك ؟
فَيصَل : أرجوكم أتركوا الخصام جانبا .. هلّا تابعت الكلام يا عَاصِم !

أخرج عَاصِم من جيبه قطعة من القماش .. وسلمها إلى مٌعَاذ .. نظر مٌعَاذ إليها .. إنضم عَبدٌاللّه إليه .. أخذا يقلبانها يمينا ويسارا .. وبنظراتهما المستغربة .. أخذا يحدقان إليها .. قال مٌعَاذ ( هذا غريب ، غريب حقا ! ) ، عَبدٌاللّه ( هل كتبتها بدمائك ! ، متى أستطعت فعل ذلك ؟ )

كان المكتوب في الرسالة ( أرجوكم لا تأتوا ) وبخط واضح كتب تحتها (( إلا لإنقاذي ))

قرأها مٌعَاذ بصوت عالي .. كررها مرات ومرات .. (( أرجوكم لا تأتوا ، إلا لإنقاذي )) .. لا أعلم ما الذي كان يحدث .. كنت أحدق بناظري نحو الأسفل .. أشعر بأن الجميع يحدق بي ! .. ازدادت نبضات قلبي .. يا لهذا الشعور الغريب .. أهذا ما يسمونه الخجل !

تدارك عَاصِم هذا الوضع قائلا ( وبعد أن قرأنا رسالتك .. وفي اللحظة التي غادرَنا فيها عَبدٌاللّه و مٌعَاذ .. قمنا بوضع خطة سريعة .. بسيطة كانت ! .. فقد ساعدنا ذهاب عَبدٌاللّه و مٌعَاذ خلف قطاع الطرق .. لم نمنعهم من ذلك ! .. في الحقيقة .. نحن لم نكن نستطيع أن نمنعهم *.. وخصوصًا عَبدٌاللّه .. فقد كان غاضبا .. ويسيطر عليه شعورٌ بالذنب .. لذلك لم نخبرهم بالرسالة لكي يقوموا باللحاق بقطاع الطرق .. بينما نضع خطة تمكننا من إنقاذك .. كنا بحاجة إلى من يذهب خلف قطاع الطرق .. فنستطيع الوصول إليهم عن طريق تتبع آثاره فيما بعد .. ولو لم يذهب أحد لما أستطعنا إيجادك .. و مع أن مٌعَاذ خالف أمرنا .. إلا أن الخطة لم تتغير .. فبالنظر إلى الفرق الشاسع بيننا وبينهم في العدد .. لم نكن نستطيع مجابهتهم بالقتال .. فاعتمدنا على الخدعة .. الخدعةُ فقط ! )

تابع عَاصِم كلامه قائلا ( وضعنا الخطة .. ثم أخذنا نسير خلف مٌعَاذ و عَبدٌاللّه بكل حذر .. لم يشعرا بنا .. حيث كان اهتمامهم منصبا على قطاع الطرق .. وعندما وصلنا إلى مخيمهم .. أخذنا ندرس الوضع هناك .. ومن بعيد ! .. كنا نشاهد بصمت قطاع الطرق وهم يضربون رفيقينا .. كان ذاك الأمر مؤلما .. ولكن لابد من ذلك .. لابد من التضحية ! .. وجدناها فرصة ملائمةً جدًا لبدء تنفيذ الخطة .. وحينما كان المخيم يعج بالصخب .. انطلقت نحوه ! .. أخذت أبحث عن خيمة الزعيم .. فقد أخبرني أحمَد أوصافها بدقة .. أكبر الخيام .. لونها أسود مبقعٌ ببقع حمراء داكنة .. تسللت نحوها بهدوء.. لم أجد أحدا .. خالية كانت ! .. وهذا ما ساعدني على الإختباء .. كانت الخيمة نادرا ما يدخلها أحد .. فقطاع الطرق لا يجرؤون على ذلك .. والزعيم لا يدخلها إلا للنوم فقط .. بقيت منتظرا طوال النهار .. وحينما أتى الليل بظلامه علينا .. وغط الجميع في النوم .. خرجت من مخبئي .. واتجهت نحو الزعيم ! .. كان شخيره عاليا .. فلم ينتبه حراس الخيمة إلى صوت أقدامي .. عصبت عينيه بقماش صغير .. وأغلقت فمه بقماش آخر .. ولم أنسَ أن أقيد يديه وقدميه كي لا يفلت من قبضتي .. *كنت أنتظر الإشارة ! .. فقد أتفقنا على أن يتم حرق إحدى الخيام كإشارة على أمان الطريق وخلو المنطقة من الحراس .. وليتم تضليل قطاع الطرق عن الخيمة .. فأخرج من غير أن يروني .. وبعد برهة من الزمن مضت ببطء .. سمعت صراخا .. أناس يصرخون *"أطفؤا الحريق ، أطفؤا الحريق" .. هممت بالخروج .. ورحت تجاه الزعيم لأحمله فوق كتفي .. ولكن ! .. وجدت بجانبه علبة امتلأت بسائل أسود .. أخذت أقلبها بين يدي متفحصا .. حدثت نفسي قائلا (هذه العلبة أتت في وقتها ، إنها ما نحتاجه ، يجب أن لا يعرف قطاع الطرق هويتنا الحقيقية) .. فتحتها بسرعة ! .. لقد كان السائل غريبا .. ليس له طعم ولا رائحة .. لم أعرف ما هو ! .. لكنني بسرعة أستخدمته .. أخذت أدهن به ما ظهر من جسدي .. أنقلب لوني أسودا بفعل ذاك السائل .. لم يكن لدي متسع من الوقت .. حملت الزعيم فوق كتفي .. ثقيلا كان ! .. ألقيت نظرة خارج الخيمة .. لم يكن هناك أحد بالجوار .. حتى حراس الخيمة غادروا أماكنهم .. لم يبقى إلا شيء واحد فقط .. خَيلُ الزعيم ! .. أمسكت لجامه .. وبسرعة وضعت الزعيم فوقه .. وفي تلك اللحظة .. أنقدحت في رأسي فكرة .. يجب علي أن أغير شكل الخيل أيضا .. بهذه الطريقة سوف يجن قطاع الطرق .. ولن يستطيعوا إلينا سبيلا .. كان الليل يغطيني بظلامه .. ومع لوني الأسود إستطعت فعل ما يحلو لي .. فتحت العلبة وبدأت بعملية دهن الخيل .. لم يكن ذلك صعبا .. فعندما تضع قطرة من ذاك السائل الغريب .. حتى تنتشر في كل مكان .. ركبت فوق الخيل بعد انتهائي .. ورحت خارجا من المخيم .. لم يستطع أحد اللحاق بي ! .. فخيل الزعيم كان الأسرع .. خرجت منهم ولم أترك إلا أناسا قد ذهلوا من هذا الرجل الأسود الذي خرج من العدم مختطفا زعيمهم .. كنت أستطيع سماع صرخاتهم .. ولكن لا جدوى .. لن يفعلوا شيئا .. وحينما بدأت بالإبتعاد .. بدأت الصرخات تخفت تدريجيا مٌعلمةً أياي بخروجي من المخيم بسلام !)

( وصلت مخبأنا قبيل الفجر .. كانت دورية الحراسة على أحمد في ذلك الوقت .. لم أجده في مكانه .. تعجبت من ذلك ! .. فلم يكن أحمد ممن يترك واجبه لأي سبب من الأسباب .. نزلت من علا الخيل .. وعندما هممت بالتحرك .. وتقدمت عدة خطوات .. لمع شيء تحت عنقي .. كان نصلا لسيف حاد .. أنه هو ، لا شك بذلك ! .. هذا هو سيف أحمَد .. فتحت فمي لأتكلم .. ولكنه قرب السيف من عنقي أكثر .. وهم بقتلي ! .. أخذ ينادي " مٌحَمّد ، عَبدٌالمَجِيد تعاليا بسرعة " لم تمض ثوان معدودة .. حتى أتى الإثنان معا .. وآثار النوم بادية على وجهيهما .. قلت بسرعة وقبل أن يفعلوا شيئا " أنا عَاصِم ، أبعد سيفك عني " .. وباستغراب أبعد أحمَد سيفه .. أخذت أمسح وجهي بملابسي ليتعرفوا علي .. وعندما تأكدوا من هويتي تعجبوا من ذلك ! .. وأخذوا يسألونني عن سبب تأخري .. وعن هذا الشيء الذي كان يغطي جسدي ! .. عندها أخبرتهم بالقصة كاملة )

( وفي آليوم التالي .. تابعنا ما بدأنا به .. صحيح أنه كنت هناك تغييرات في الخطة .. ولكننا واصلنا على نفس ذاك المنوال .. حيث عزمنا على محاربتهم حرباً نفسية .. وبالأخص زعيمهم الذي عندما قام من نومه .. أستحوذ عليه الفزع .. لم يجد خيمته وأتباعه ! .. وجد نفسه مقيدا بالحبال .. أمام رجال يكتسون اللون الأسود .. هددناه بالقتل ! .. وأخبرناه بأنه سيحاسب على ماضيه .. وسيقتص للذين ظلمهم .. خيرناه بين الموت جوعا أو السجن .. أخذنا نخوفه .. لكن الشيء الوحيد الذي أرعبه بشدة هو كيف أننا عرفنا إسمه و ماضيه )

( وفعلنا بأتباعه مثلك ذلك .. حيث أرسلنا إليهم رسائل كتبت بالدماء تهددهم بالقتل ما لم يسلموا الأسرى .. وفي الحقيقة كانت الدماء للحيونات .. وليست لزعيمهم كما يظنون )

( كنا نراقب مكان تبادل الأسرى .. ذاك المكان الذي اخترناه بعناية .. لسهولة نصب الفخاخ فيه .. والقدرة على الهرب بسرعة .. لقد قمنا بتجهيز كل شيء .. أحضرنا خيولا إضافية .. دهنّاها بذاك السائل الأسود .. الكل أخذ مكانه .. أنا أتيت بالزعيم في مكان تبادل الأسرى وانتظرت هناك .. بينما البقية أخذوا المهام الأصعب .. مٌحَمّد و عَبدٌالمَجِيد كانا الأكثر دراية بالفخاخ وكيفية نصبها .. لذلك تطوعا لهذه المهمة .. و أحمَد كان يمتلك الشجاعة اللازمة .. إضافة إلى خبرته بقطاع الطرق ونظامهم .. فكان الأجدر بمهمة حرق المخيم والإستيلاء على الغنائم .. ومن حسن حظ أحمَد أن قطاع الطرق قد خرجوا جميعا لاستلام زعيمهم .. انطلق الجميع بعد أن دهنوا أنفسهم بتلك الصبغة .. وعلى كل حال .. هكذا جرت الأمور .. وتلك كانت الخطة !


 

رد مع اقتباس
قديم 08-26-2013, 06:38 AM   #10
عضو قدير
أحـمـد الـسـمـيري


الصورة الرمزية دموع الشوق
دموع الشوق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1146
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 08-03-2019 (04:49 PM)
 المشاركات : 1,298 [ + ]
 التقييم :  14
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي رد: [رواية] الرجل المقيد بالكلاليب



الفصل العاشر

* بعنوان (( رحلة الصيد ! ))


( هكذا جرت الأمور .. وتلك كانت الخطة ! .. والعقوبة واقعة بالظالم لا محالة )

أومأ الجميع موافقين على كلامه ..
قال عَبدٌالمَجِيد : صدقت ! .. ومهما بغى الظالم وتجبر .. فإن له موعدا لن يخلفه
مٌحَمّد : مالي أراك سكتّ يا فَيصَل .. ألا توافقنا ؟
فَيصَل : بلى بلى .. ولكن هناك أمور لم أفهمها .. وتفاصيل لم أعي حقيقتها .. أخبروني .. كيف عرفتم إسم الزعيم وماضيه ؟ .. وكيف علمتم بأوصاف خيمة الزعيم ! .. وكيف تقولون أنكم أعداء الزعيم وأنتم لم تقابلوه من قبل ؟*
عَاصِم : في الحقيقة ... لم تكن لنا رغبة بإخبارك .. لكن وبما أنه حانت الفرصة فلا بأس .. في بادئ الأمر .. يجب أن تعلم أننا لا نظلم أحدا .. ولا نبخس الآخرين حقوقهم ..
فَيصَل : إني أعلم كل ذلك بالفعل*
عَاصِم : حسنا .. سأخبرك بالحقيقة .. في أحد الأيام وقبل عدة شهور .. خرجنا باحثين عن واحة جديدة .. بعد أن أرهبت الصحراء واحتنا .. وغطت أخضرها ويابسها .. وبعد مدة من البحث المضني .. وجدنا بحيرة حاصرتها مجموعة كبيرة من النخيل والأشجار .. كانت جنة بين الواحات ! .. ماءوها عذب ونميرها صافي .. ثمارها حلوة يانعة .. عَزَمنا أمرنا .. وقررنا الإقامة فيها .. بدأنا بأخذ جولة في ذلك المكان .. وما إن تعمقنا في الداخل *.. حتى وجدنا كنزا لا يقدر بثمن .. ويا للعجب ! .. صندوق مليء بالذهب والفضة .. ومرصع بالأحجار الكريمة .. بالكاد يستطيع حمله إثنين من الرجال .. لكن ! .. ما أتى بسهولة يذهب بسهولة .. فلم تكد تمضي أيام قلائل .. حتى اختفى الكنز في ظروف غامضة .. ولم يترك خلفه أثرا ! ..
قاطعه فَيصَل قائلا : في الحقيقة إن قصة الكنز هذه غريبة .. لكنني لم أجد إجابة لأسئلتي .. ما علاقة كل هذا بقطاع الطرق ؟
عَاصِم : تفتقر إلى الصبر .. ألا تنتظر حتى أنهي كلامي ! ... اختفى الكنز ولم يترك أثرا .. لكن الطامة الكبرى ! .. والمصيبة العظمى .. أن قطاع الطرق أتوا إلينا في ذلك اليوم .. كانوا يبحثون عن الكنز .. هاجمونا على حين غرة .. أتهمونا بالسرقة .. قلبوا الواحة رأسا على عقب .. صادروا ممتلكاتنا وخربوا دارنا .. أخبرناهم بالحقيقة .. وأن الكنز اختفى .. لكنهم لم يصدقوا ! .. بل عادوا مرة ومرتين .. وهم يعيثون الفساد في كل مرة .. وبعد عدة أيام .. أتانا مساعد الزعيم وذراعه اليمنى .. أتانا وحيدا ، تائبا .. يجر أذيال الخيبة .. مساعد الزعيم .. لقد كان أحمَد !

امتلأت عيناي دهشة .. أصبح رأسي يدور .. كيف هذا ! .. إن العالم صغير حقا .. سرحت بتفكيري محاولا ربط كل هذه الأحداث ببعضها .. قطاع الطرق ، الكنز ، أحمَد ، الزعيم *، عام 1657 هـ ، المهمة ، الرجل المقيد ، الصندوق !!

آآآآآآآآآههه من ذلك الصندوق .. ليتني لم افتحه .. لما حصل كل هذا -على الأقل-


انقطع حبل أفكاري .. حينما شعرت بمعاذ يتحدث ..
مٌعَاذ : تبقى سؤال واحد .. لم لم تخبرونا بخطتكم تلك ؟ .. كان يمكننا المساعدة .. أ لأننا أصغركم سنا ؟*
عَاصِم : أنت لا تمل من الحديث بهذا الموضوع .. لقد حدث الأمر وانتهى .. هل ستبقى تفكر بهذا طوال عمرك ؟
مٌعَاذ : العجيب في الأمر .. أنك أخي ! .. كيف ترضى أن أقبع خلف القضبان .. وأنت واقف تتفرج
عَاصِم : من قال بأني رضيت .. أتفرج ؟ .. إلزم حدودك يا مٌعَاذ !


واصل مٌعَاذ و عَاصِمٌ الجدال .. لم يعجبني ذاك الوضع أبدا .. وكعادتي ! .. بدأت أنسحب بهدوء .. جررت خيلي بعيدا عنهم .. تباطأت خطواتي .. تخلفت عنهم قليلا .. لم أفق من شرودي إلا بشيء اصطدم بي من الخلف .. ادرت رأسي .. أنه أحمد .. ما باله ! .. عيناه حمراوان .. هل يبكي ؟ .. يبدو منهكا .. كانت خيله تسير بغير هدى *.. سيقع في أي لحظة !

أخذت أسير بجانبه .. ممسكا بلجام خيله .. لم يشعر بي ! .. إنه لم يتكلم منذ عودته من المخيم *-عندما أحرق الخيام- *.. هل حصل شيء ما ! .. هل كان يسمع كلامنا يا ترى ؟

فَيصَل : أحمَد ، أهناك خطب ما ؟
أحمَد : ..............
فَيصَل : أحمَد ، هل تسمعني !
أحمَد : ..............

كان يحمل شيئا بيده ! .. ألححت عليه بالسؤال .. وبغير رضى .. فتح يده .. أراني ما بها .. إنه خنجر ! *
وعلى نصله نقش بكل وضوح *" غـضـنـفــر "

نظرت إلى عينيه مستفسرا .. أجابني بنفس تلك النظرة .. ولأول مرة تكلم .. قال بصوت حزين : (أخي .. غضنفر ! .. إنه أخي)


ما هذا العالم ؟ .. أنه يكاد يكون مجنونا أكثر من العالم الحقيقي .. لم كل هذا ؟ .. الخير ، الشر .. أليس هناك نهاية لهذا ؟ ... شعرت بتبلد في الإحساس .. لا شيء ، سيثير استغرابي بعد الآن !!

علاوة على ذلك .. لا زال مٌعَاذ مستمر في الجدال ..



((أنظروا هناك ، إنها الغزلان !)) .. كانت صرخة من الأعماق .. صرخة لتوقف هذه الفوضى .. توقف مٌعَاذ عن الكلام .. والتم شملنا من جديد .. اقتربنا من بعضنا البعض .. وقف عَبدٌالمَجِيد أمامنا وقال : (أنا متأكد من ذلك .. هذه الأثار ، وبهذا العدد الهائل .. إنه قطيع ضخم ! .. انظروا هناك .. أعلى تلك التلة .. انظروا إلى تلك الغزلان !) .. لم يتكلم أحد .. بل بحركة سريعة .. انطلقوا بجيادهم نحو التلة .. إنهم يفعلونها من جديد ! .. يصرخون لخيولهم .. ثم هي بدورها تصدر صهيلها المهيب ، وكأنها ترد عليهم .. لتمضي بعد ذلك مسابقة الريح .. أردت أن أكرر تلك الحركة .. وأن انطلق معهم .. صرخت مرة ومرتين .. لكني لم أفلح .. لماذا ؟ .. لقد فعلتها في المرة الماضية .. هل كانت مصادفة ؟*

أنا و مٌحَمّد .. لم يتبقى أحد سوانا .. ماذا ينتظر ! .. لم ينظر إلي ؟ .. ما هذه النظرة الغريبة !*

بعد أن يئست من المحاولة .. وجهت إليه الكلام قائلا (أنت ! .. ألا تتفضل وتساعدني بدلا من وقوفك هناك) .. تصنّع الضحك .. ثم أقبل بقامته القصيرة وقال (حسنا حسنا .. يجب أن تفعل هكذا) .. وبعد محاولة أو اثنتين .. استطعت أن أجعل الخيل يجري .. وبسرعته القصوى !

وصل الجميع قبلنا .. وبأسلحتهم البدائية بدأوا بالاصطياد .. لم يسفكوا دما ، مع تواجد السيوف .. بل كانوا يكتفون بمطاردة الغزلان وإمساكها !*


كانت الفرحة تغمرنا .. لم نكن نصطاد الغزلان حقيقة ، بل كنا نلهو معها فقط .. نمسكها ثم نطلقها ونمسكها ثم نطلقها .. هكذا هي ! .. سريعا .. بدأت الدخول في تلك اللعبة .. كانت مسلية بقدر ما هي متعبة .. أخذ الوقت بالمضي لم نلق له بالا .. حتى قاربت الشمس الغروب .. انسحب عَبدٌالمَجِيد وهو يجر غزالين صغيرين .. ولحقه أنس ليساعده في الطهو .. أما نحن .. فتابعنا اللهو واللعب .. حتى أحمَد ، أخذ يتناسى حزنه ويلعب معنا .. بدأ القطيع بتعب .. لم ندع له مجالا للهرب .. بل حاصرناه في مكانه !

غابت الشمس .. وخارت قوانا .. تركنا القطيع يمضي في حال سبيله .. أخذنا نجمع شتاتنا من جديد .. قفلنا عائدين .. كانت رائحة الطعام تقودنا .. غزال مشوي ! .. يا لهذه الرائحة .. زكية كانت ! .. تسلل اللعاب من أفواهنا .. البعض أخرج لسانه تعبيرا عن مدى جوعه وشوقه للطعام .. والبعض الآخر .. كانت أصوات قرقرة بطونهم الخاوية .. كفيلة لتعلمك عن شدة شغفهم ولهفتهم .. انتهى تحضير الغزال الأول .. وضِعَ على سفرة الطعام .. حاولت أيدينا التسلل إليه خلسة .. صاح عَبدٌالمَجِيد مهددا : (لو وجدت قطعة لحم ناقصة ، لن تَطعَمون الغزال الآخر) .. توقفت ايدينا في مكانها .. وأخرجنا آهات متضجرة من هذا الإستبداد .. نحن بحاجة إلى غزال مشوي آخر .. فغزال واحد لا يكفينا .. خصوصا بعد أن بلغ بنا الجوع مبلغه .. أكتفينا بالرائحة فقط .. ازدادت قرقرة بطوننا .. بدأ لحم الغزال يبرد .. أستلقينا بجواره بأسى .. كنا كالكلاب الجائعة .. أصبح لعابنا يسيل بغزارة ! .. أخذنا نستعجل عَبدٌالمَجِيد .. طلب منا الإنتظار عدة دقائق .. مرت بطيئة جدا .. حتى أقبل إلينا .. يحمل بين يديه غزالا شوي ببراعة .. مظهره يفتح الشهية .. فاق جماله الغزال الأول .. وما إن وضع على سفرة الطعام .. حتى انقضّينا عليه .. وكأننا صقور جارحة ! .. بدأنا بالتهام الغزالين .. تقاسمناهما كما تفعل الوحوش بفرائسها !

البقاء للأقوى .. هذا هو النظام .. إما أن تأكل سريعا .. أو ابدأ بجمع البقايا و العظام .. مرت دقائق اتسمت بالوحشية .. تم القضاء على الغزالين سريعا .. قليل من العظام تبقت .. لم نتحرك من مكاننا .. بعدما كانت بطوننا خاوية .. أصبحت الآن ممتلئة لا تساعد على الحركة .. تبادر سؤال إلى ذهني .. قلت مستفسرا (إلى متى سنبقى هنا ! .. متى سنعود إلى الواحة ؟) .. فهمت من إجاباتهم أننا لا نستطيع العودة .. ربما في الوقت الحالي فقط .. فهناك احتمال كبير بأن يكون قطاع الطرق ينتظروننا هناك ..

لاحظت أن مٌعَاذ ساكت .. يبدو أنه رضي اخيرا .. ربما رضي بعد أن ملأ بطنه بلحم الغزال .. في الحقيقة .. إنه يذكرني بالأطفال وعاداتهم !

قبل خلودنا للنوم .. تحدثنا قرابة الساعة .. عرفت فيها أشياء كثيرة .. (مٌحَمّد ، عاش طوال عمره في بلاد السند .. واحتك بالناس هناك .. لذلك كان على دراية بلغة العجم .. مع أنه كان رجلا عربيا !) .. (أنس ، كان هو الأعجمي الوحيد بيننا .. لكنه يتقن الحديث بالعربية) .. (عَاصِم و مٌعَاذ ، أخوان غير شقيقان -خلاف ما كنت اعتقد- .. لذلك هناك اختلاف طفيف في الطباع بينهما) .. (عَبدٌاللّه ، ينتمي إلى نفس القبيلة التي انتمي إليها !)

تقلبت يمينا ويسارا .. مضت ساعة على استلقائي في الفراش .. هل هو الأرق ! .. آهه لو أن هناك حبوبا منومة ! .. الجميع نيام .. أصوات الشخير تتعالى .. لِم لَم أنم ؟*
فتحت عيني بيأس .. سبحاآآن الباري ، ما هذا الجمال ! .. السماء .. كم هي جميلة ! .. منذ مدة لم أحض بمثل هذا المنظر الرائع .. النجوم تتلألأ .. إنها تنتثر في كل مكان .. البدر يتوسطها .. كأنه عروس تلك الليلة .. خلف كل ذلك .. لون بنفسجي ! .. لوّن السماء وزادها جمالا .. صبغ الأفق من ورائه .. انقطع تفكيري هنا ! .. فقد سمعت صوتا مريبا ! .. اغلقت عيني ببطء .. من يكون يا ترى ! .. أنه يتحرك من حولنا .. ذهابا وأيابا .. ماذا يفعل ؟ .. ازدادت الأصوات .. بدأت اشعر بحرارة من حولي .. كم هذا غريب ! .. لا فائدة .. يجب أن اتحرى الأمر ! .. رفعت رأسي بحذر .. من أشعل النار ؟ .. أرى ظل رجل هناك .. جالس بجوار النار .. لقد شعر بي ! .. نهض من مكانه .. إنه قادم .. قادم نحوي !

مٌحَمّد : ألم تنم يا فَيصَل ؟
فَيصَل : مٌحَمّد ؟ .. لا ، لم أنم .. في الحقيقة .. إن ساقي تؤلمني قليلا !*
مٌحَمّد : ساقك ؟ .. أهي من تلك الطعنة !
فَيصَل : أجل
مٌحَمّد : يجب أن أراها .. تعال هنا .. بجوار النار .. هيا أنهض !
فَيصَل : حسنا حسنا .. أذهب سآتي خلفك*

أخذت السكين من تحت وسادتي .. خبأتها بقميصي جيدا .. لا تثق بأحد ! .. هذا هو الحذر

مٌحَمّد : هنا .. إجلس بجانبي*
فَيصَل : هل تعتقد إنها خطيرة
مٌحَمّد : لا أعتقد ذلك .. جيد أنك لففتها بالقماش .. أحسنت فعلا*
فَيصَل : *-صرخة ألم-
مٌحَمّد : هل هذا مؤلم ؟ يجب أن أنظف الجرح .. اعتذر عن ذلك
فَيصَل : حسنا .. ولكن بسرعة !
مٌحَمّد : فَيصَل !
فَيصَل : ماذا تريد ..
مٌحَمّد : في الحقيقة .. لقد كنت أريد الاختلاء بك منذ مدة .. أرغب أن اناقشك في موضوع ما*
فَيصَل : وما هو !
مٌحَمّد : إنها مقايضة .. مقايضة من نوع آخر*
فَيصَل : وبماذا سنتقايض !
مٌحَمّد : سأخبرك سرّي شريطة أن تخبرني بسرك !
فَيصَل : أي سر تتكلم عنه !
مٌحَمّد : لا تتظاهر بالغباء .. فأنا أعرف حقيقتك .. نحن لسنا بأغبياء لكي نصدق !
فَيصَل : تصدق ماذا ؟ .. ما هذا الذي تقوله !
مٌحَمّد : أنت لست من هذا العالم ! .. لا أعرف كيف جئت أو من أين .. لكنني متأكد من ذلك*
فَيصَل : ههههههههههههآآي .. ما الذي تثرثر به ! .. أمجنون أنت ؟ .. هل تسمح يا حضرة المحقق أن تأتي بدليل !
مٌحَمّد : محقق ! .. هذا هو أول دليل .. لدي ثقافة واسعة في هذا العالم .. لا يوجد ما يسمى بالمحقق هنا .. هذا من الماضي !
فَيصَل : ...............
مٌحَمّد : أتريد أدلة إضافية ؟ .. طريقة لباسك ، العناق .. إنه من العادات القديمة .. نحن في هذا الزمان لا نعانق بعضنا بل نكتفي بالمصافحة ، طريقة أكلك وشربك .. كل هذا من عادات الماضي .. وأيضا ! .. ركوب الخيل .. لا يوجد أحد في هذا الزمان لا يجيد ركوب الخيل والتحكم فيه *-حتى النساء- .. كل شيء .. كل شيء في حركاتك يأكد كلامي .. أنت لست من هذا الزمان !
فَيصَل : ...............
مٌحَمّد : ما بالك سكت ! .. هل أعتبر ذلك تأكيد لكلامي ؟

نهض فَيصَل من مكانه بعد أن لف ساقه بالقماش .. مشى مبتعدا عن النار .. وعن ذلك الرجل الماكر .. القابع بجوارها !

صرخ مٌحَمّد : لم نهضت ؟ .. توقف .. الكنز ! .. ألا تريد معرفة مكانه ؟ .. سأدلك عليه .. أخبرني بحقيقتك فقط !
رد فَيصَل ببرود : أخرج فكرة المقايضة من رأسك ، فأنا لست موافقا !


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
منتدى قبيلة السمره من جهينة الرسمي
Security by i.s.s.w

المنتدي قائم لخدمة أبناء القبيلة وذلك للتعارف والتواصل وتبادل المعارف والعلوم ولا يمثل رأي مشائخها وكبارها إلا فيما يشار اليه وجميع مايطرح في هذا المنتدى من مشاركات ومواضيع يعبر عن رأي كاتبه دون أدنى مسؤوليه
والله الموفق