ســـــــــــــــــــــبحان الله وبحــــمده ســـــــــــــــــبحان الله العظيم

   

 
اســــــــرة المنتدى ترحـــب بالاخوة الاعضاء والزوار وتتمنى لهم قضـــاء اسعد الاوقات وامتعها فى المنتدى وتسعد بمشاركاتهم وتواجدهم فى كل لحظه - وأهـــــلا وســـهلا بالجمـــــيع "

رسالة المنتدى


   
 
العودة   منتدى قبيلة السمره من جهينة الرسمي > الـــمـــنـــتـــديـــات الإســـلامـــيـــة > الـمـنـتـدى الإسـلامـي الـعـام
 
 

الـمـنـتـدى الإسـلامـي الـعـام جميع المواضيع الاسلامية (كل مايتعلق بمذهب أهل السنة والجماعة )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-14-2011, 12:17 PM
عضو نشيط
بحر العلم غير متواجد حالياً
لوني المفضل ????
 رقم العضوية : 75
 تاريخ التسجيل : Oct 2010
 فترة الأقامة : 4957 يوم
 أخر زيارة : اليوم (03:12 PM)
 المشاركات : 184 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : بحر العلم عضو علي طريق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
ابتسامة دروس وعبر تربوية من سيرة خير البرية :: الدرس الأول :: مرحلة ماقبل البعثة





دروس وعبر تربوية من سيرة خير البرية



للشيخ العامل أبي سعد العاملي حفظه الله


الدرس الأول







مرحلة ماقبل البعثة




بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
من المفيد جداً قبل الخوض في أحداث السيرة بالتفصيل أن نلقي نظرة ولو مختصرة وخاطفة عن حالة الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية المباركة، وذلك لأسباب عديدة ولحكم كثيرة، أهمها هو الوقوف على الحكمة الربانية لاختيار جزيرة العرب دون غيرها من البلدان ، واصطفاء أهلها دون غيرهم من الشعوب لكي يكونوا مقراً وحاملي هذا الدين الأخير للعالمين.
لا نشك في أن رسالة الإسلام عظيمة وتبعاتها ثقيلة إلى حد عجزت عن حمله السماوات والأرض والجبال ، فأشفق الله عليها وحملها الإنسان ، فلابد أن يكون هذا الأخير على درجة عالية من الصفات والأخلاق والطاقات التي تمكنه من حمل هذه الأمانة العظيمة، وليكونوا بعد ذلك محررين للعالم أجمع من كل العبوديات والأديان الظالمة المنحرفة التي أثقلت كواهل الناس منذ قرون من الزمن، ساد فيها الفساد والظلم والانحراف عن الفطرة واتباع الشهوات والخضوع لشريعة الشيطان دون حسيب ولا رقيب.

الأصول والفصول

نبدأ بذكر أصل العرب وفصائلهم ، فالعرب في أصلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- العرب البائدة: وهم القدامى، مثل: عاد و ثمود و طسم و جديس و عملاق ..
2- العرب العاربة "القحطانية": وهم المنحدرون من صلب يعرب بن يشجب بن قحطان .
3- العرب المستعربة "العدنانية": وهم المنحدرون من صلب إسماعيل .
والعرب العاربة مهدها اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها، فاشتهرت منها قبيلتان:
الأولى: حمير، وأشهر بطونها: زيد الجمهور ، و قضاعة ، و السكاسك .
والثانية: كهلان ، وأشهر بطونها: همدان، وأنمار، وطيء ، ومذحج ، وكندة ، ولخم ، وجذام ، والأزد ، والأوس، والخزرج ، وأولاد جفنة ملوك الشام.
ونتيجة الظروف الاقتصادية ، والصراع بين حمير وكهلان ، هاجرت بطون كهلان من اليمن قبيل سيل العرم ، وانقسموا إلى أربعة أقسام :
1- الأزد: وسيدهم عمران بن عمرو ، وسكنوا الحجاز ، وعُمان ، وتهامة.
2- لخم وجذام: وفيهم نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة.
3- بنوطيء: نزلوا بالجبلين أجا وسلمى في الشمال.
4- كندة: نزلوا البحرين ، ثم حضرموت ، ثم نجد ، التي كوَّنوا بها حكومة كبيرة.
أما بالنسبة للعرب المستعربة، فيرجع نسبهم إلى إسماعيل عليه السلام الذي ولد في فلسطين، ثم انتقل مع أمه إلى الحجاز، ونشأ بها وتزوج، واشترك مع أبيه إبراهيم عليه السلام في بناء الكعبة ، ورُزق إسماعيل من الأولاد اثني عشر ابناً ، تشعبت منهم اثنتا عشرة قبيلة ، سكنت مكة، ثم انتشرت في أرجاء الجزيرة وخارجها ، وبقي "قيدار" أحد أبناء إسماعيل في مكة ، وتناسل أبناؤه حتى كان منهم عدنان وولده معد، ومن هذا الأخير حَفظت العرب العدنانية أنسابها، وعدنان هو الجد الحادي والعشرون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد تفرقت بُطون "معد" من ولده نزار، الذي كان له أربعة أولاد، تشعبت منهم أربع قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومضر، والأخيران هما اللذان كثرت بطونهما، واتسعت أفخاذهما، فكان من ربيعة : أسد ، و عنزة ، و عبد القيس ، وابنا وائل - بكر و تغلب -، و حنيفة وغيرها.
وكان من مضر : شعبتين عظيمتين : قيس عيلان ، و إياس .
فكان من قيس عيلان : بنو سليم ، وبنو هوازن ، وبنو غطفان التي منها : عبس وذبيان وأشجع.
وكان من إياس : تميم بن مرة، و هذيل بن مدركة، وبنو أسد بن خزيمة، و كنانة بن خزيمة التي منها قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة .
وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، أشهرها : جمح ، وسهم ، وعدي ، ومخزوم ، وتيم ، وزهرة، وبطون قصي بن كلاب ، وهي: عبد الدار ، و أسد بن عبدالعزى، و عبد مناف .
وكان من عبد مناف أربع فصائل : عبد شمس ، و نوفل ، و المطلب ، و هاشم ، وهو الجد الثاني لنبينا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم .
وفي اصطفاء نسبه صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) [رواه مسلم] .
ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا، وانتشروا في بلاد العرب متتبعين سبل العيش، فتوزعوا في البحرين، واليمامة، والعراق ، وخيبر، والطائف ، وبقي بتهامة بطون كنانة ، وأقام بمكة بطون قريش.
وعلم الأحساب والأنساب مع أهميته ومكانته وقيمته، إلا أنه لا يرقى إلى أن يكون مجالاً للتفاضل ، وإنما الذي ينبغي أن يكون ميداناً للتفاضل والتسابق ، وخاصة بين المسلمين التقوى والصلاح كما قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (الحجرات : 13) ، وفي الحديث : (إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا أنسابكم يوم القيامة، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) رواه الطبراني ، وصححه الألباني ، والله أعلم .

- حالة الجزيرة العربية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية

لاشك أن معرفة الحالة السائدة في جزيرة العرب وما حولها من الأهمية بمكان قبل التطرق إلى أحداث السيرة، ذلك أن معرفة الواقع القائم قبل الرسالة سيبين الحكمة من وراء ظهور النبي الخاتم في هذه المنطقة، وسيبين كذلك أهمية هذه الرسالة وأهدافها وغاياتها التي جاءت من أجل تحقيقها، وسوف نقارن تلكم الحالة مع الحالة التي نعيشها اليوم، لنجد الحاجة الملحة لعودة هذا الدين من جديد لكي يغير هذا الواقع المعيش، كما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعه من قبل.

ولكي نُقبل على دراسة السيرة النبوية بإرادة التغيير، تغيير النفوس والواقع معاً، فواقعنا أبعد ما يكون عن الواقع المطلوب وهو في الوقت ذاته أقرب ما يكون إلى الواقع الجاهلي قبل البعثة النبوية، بل نكاد نجزم أن واقعنا قد تجاوز بكثير – على مستوى فساد الأخلاق والقيم – وابتعد كثيراً حتى عن هذا الواقع الجاهلي سالف الذكر - ، ومن هنا يتوجب علينا أن ندرس السيرة النبوية ليس من أجل المتاع والترف الفكري بل نعتبر ذلك فرضاً عينياً لنتمكن من تغيير ما بنا ونعود إلى ممارسة دورنا وواجبنا الشرعي وأداء رسالتنا للعالمين.

الحالة الدينية

الوثنية

كانت الوثنية تسود شبه جزيرة العرب , رغم ظهور أفراد من الموحدين عرفوا بالأحناف في مكة , ورغم انتشار محدود لليهودية في اليمن والمدينة , وانتشار محدود للنصرانية في نجران والحيرة ودوحة الجندل وأطراف الشام . والوثنية العربية تؤمن بوجود الله , لكنها تتخذ الآلهة المصنوعة من الحجر والخشب والمعدن وسيلة للقرب إليه . والايمان بالله هو من بقايا دين إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - والديانات السماوية الأخرى المنزلة في مدن عربية قديمة مثل مدائن صالح وعاد وثمود . ولكن عقيدة التوحيد أصابها التحريف واتخذت عبادة الأصنام والأوهام التي كانت تنتشر في الحضارات القديمة حول شبه الجزيرة لدى الآشوريين والبابليين والسومريين والعموريين والآموريين في بلاد العراق والشام.
وكانت عبادة الآلهة المزعومة تنتقل بين تلك الأقوام , ومنها دخلت إلى شبه جزيرة العرب حيث عبدت اللاّت ومناة والعزّى وهبل وسواع وودّ , إلى جانب تقديس الأسلاف والحيوانات وعبادة النجوم والشمس والقمر والدبران والثريا والشعريان , وعبادة الجن والملائكة والنار , وكانوا ينكرون النبوة والبعث بعد الموت , وتظهر بينهم الكهانة والعرافة والسحر , وتشيع الأساطير والخرافات .
وقد اتخذ العرب أماكن خاصة لعبادة الأصنام التي اشتهرت منها الكعبة المكرمة التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لعبادة الله الواحد فأحاطها المشركون بالأصنام التي بلغ عددها ثلثمائة وستين صنماً تعبدها القبائل التي تؤم البيت للحج وتقدم لها القرابين والنذر , ومن الأماكن الأخرى للعبادة ذو الخلصة وذو الشرى وذو الكفين.
وكان العرب يتخذون التمائم والتعاويذ والرقى, ويحملون أسنان ثعلب أو كعب أرنب ؛ ويعتقدون أن فيها قوى سحرية خفيّة , تجلب لحاملها الخير , وتبعد عنه الشر. وكانوا يستقسمون بالأزلام؛ وهي عيدان عليها رموز وعلامات يرمونها بالماء , وينتظرون خروجها , وبذلك يستشيرون آلهتهم فيما سيقدمون عليه من عمل.
وكان يوجد بعض الأفراد من الحنفاء الذين يرفضون عبادة الأصنام, وما يتعلق بها من الأحكام والنحائر وغيرها، ومن هؤلاء زيد بن عمرو بن نفيل، وكان لا يذبح للأنصاب، ولا يأكل الميتة والدم.
وممن كان يدين بشريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، قُس بن ساعدة الإيادي, فقد كان خطيبًا، حكيمًا، عاقلاً، له نباهة، وفضل، وكان يدعو إلى توحيد الله، وعبادته، وترك عبادة الأوثان، كما كان يؤمن بالبعث بعد الموت، وقد بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: «إن قس بن ساعدة كان يخطب قومه في سوق (عكاظ) فقال في خطبته: سيعلم حق من هذا الوجه وأشار بيده إلى مكة، قالوا: وما هذا الحق؟ قال: رجل من ولد لؤي بن غالب يدعوكم إلى كلمة الإخلاص، وعيش الأبد، ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه، ولو علمت أني أعيش إلى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه» وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل البعثة.

اليهودية

لقد تعمدت تفصيل الحديث عن هذه الفئة لأهميتها وخطورتها على ديننا وعلى كل الأديان السماوية من قبل، وسوف نتطرق أكثر إلى أنواع المكر والكيد الذي كانوا يكيدونه لنبينا الكريم ولأصحابه ولديننا الحنيف على مختلف مراحل الدعوة .
أما العقائد الأخرى التي انتشرت بصورة محدودة كما سبق ذكره فمنها اليهودية التي تمثلها بعض القبائل في المدينة والأفراد في اليمن واليمامة وكانوا يستعملون في أدبياتهم الدينية اللغة العبرية والآرامية , ويتكلمون العربية فيما بينهم في حياتهم اليومية , وقد تأثروا بعادات العرب وتسموا بأسمائهم , وكانت لهم مدارس يتدارسون فيها التوراة والمشنا والتلمود , وتعرف بالمدارس التي هي موضع عبادة وصلوات وندوات لهم أيضاً . وكانوا يتعاطون السحر , ويحرمون العمل يوم السبت , ويصومون عاشوراء , ويلزمون بالأعياد اليهودية , ومعظمهم أميون كما وصفهم القرآن.
إن ما اتفق عليه أكثر المؤرخين هو أن قبائل اليهود فيالحِجاز هم عبرانيون نازحون من جراء الإضطهاد الروماني, في الفترة ما بين عامي 70 مو135 م. ولم يكونوا عرباً ، أي انهم هم الناجون من دمار أورشليم على يد تيطوس أوالذين تم إجلائهم (بني النضير وقريظة ) على يد الإمبراطور هادريان, ولِذا فهم يُطلقعليهم الكاهنين نسبة إلى هارون النبي أخو موسى عليهما السلام. وحين انتقلوا إلىالحِجاز في الجزيرة العربية ، فقد جاءوا على يهود سبقوهم (بنو قينُقاع), ويدعي يهودبني قينقاع أن أصلهم موغل في القدم بيثرِب و يعود لزمان موسى في الوجود كما تدعيالإسرائيليات التي حاول اليهود ترويجها ، ونقلها لنا المؤرخون المُسلِمون ، إلا أنقِدم تواجُدِهم لا دليل عليه ، فلا يُمكِن الإستِدلال على قِدم الوجود اليهودي ماقبل الميلاد فضلاً لزمان موسى عليه السلام ، لأن اليهود على مر التاريخ لاقوا منالإضطهاد مالم تلْقهُ أمة أخرى ، ولذا فلا يُمكِن نفي أن اليهود في يثرِب قد جاءواعلى فترات متقطِّعة ولكن لا يُمكِن تأكيد بحال من الأحوال فترات ما قبل الميلاد ،أما ما بعد الميلاد فالثابت هو نزوح بني النضير وقريظة إلى يثرِب . و تبقى هذهالإدعاءات ادعائات يهودية محضة رُبما عن قصد ألّفوها ونشروها بين المُسلمينليكتسِبوا شرعية في المكان الذي استقروا فيه ، وهذا حال اليهود دائماً ، و برغمأصالة وعبرية تلك القبائل مثل بني النضير وقريظة وبني قينقاع ويهود خيبر وفدك ووادي القرى إلا أن هناك من قبائل العرب من اعتنق اليهودية أيضاً و ربما تقرباًلليهود.

القبائل العربية التي إعتنقتاليهودية

ذكر ابن قتيبة في حديثه عن أديان العرب في الجاهلية: أناليهودية كانت في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة و بعض قضاعة. و ذكرنفس الأمر ابن حزم الأندلسي الظاهري في جمهرة أنساب العرب عند حديثة عن نفسالموضوع، و بالمثل ياقوت الحموي في معجمه.
أما صاعد البغدادي الأندلسي، صاحب المصنفات، والذي كانمن المقربين من محمد بن أبي عامر المعروف بالمنصور، فقد ذكر صاعد مجموعة من القبائلالتي تسربت إليها اليهودية مثل حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة. وذكرت مصادر أخرى أن اليهودية وجدت في بعض الأوس من قبائل الأنصار، و بني نمير و بعضغسان و بعض جذام. بل إن بعض المصادر تذكر أن الآية القرآنية { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [البقرة 256،]، نزلت بسببأن بعض الأنصار هودوا أولادهم قبل الإسلام و عندما جاء الإسلام أرادوا أن يقسرواأبنائهم على إعتناق الإسلام، فنزلت تلك الآية الكريمة التي تحرم الإكراه فيالدين.

طبيعة اليهودية في الجزيرة العربية

إن بني إسرائيل الوارد ذكرهم في التوراة والقرآن الكريمهم بإجماع أهل الاختصاص من نسل سيدنا يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم الخليل، عليهمالسلام جميعا. وإبراهيم هو أبو العرب المستعربة من الإسرائيليين والعدنانيين، الذينتنتمي قبيلة قريش إليهم. موطن العرب المستعربة بشقيها الإسرائيلي والعدناني هو غربشبه الجزيرة العربية، فيما يعرف بالحجاز وتهامة، حيث عاش سيدنا إبراهيم الخليل،عليه السلام في حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد وقام ببناء الكعبة مع ولدهإسماعيل.
يبدو أن شبه الجزيرة العربية قد عاشت في هذه الحقبةالتاريخية بالذات عصرها الذهبي وفردوسها المفقود، حيث كانت تحتضن أهم الطرقالتجارية العالمية البرية والبحرية. كان الخليج العربي في الشرق والبحر الأحمر فيالغرب والبحر العربي في جنوب الجزيرة العربية والموانيء والثغور البحرية العربيةالمطلة عليها تغص بالسفن، التي تنقل البضائع والتجارة العالمية آنذاك بين حوض البحرالأبيض المتوسط الخاضع للسيادة العربية الكاملة، الأشورية والبابلية والفينيقيةوالمصرية وبين موانيء الهند والصين. وفي موازاة هذا الممر المائي كان هناك خط بريللقوافل يربط بلاد الشام والعراق ومصر عبر نجد والحجاز باليمن وعمان. في ظل هذاالانتعاش الاقتصادي، الذي شهدته الجزيرة العربية في هذه الحقبة، إستقر البدووالرعاة وتطورت الزراعة وبنيت السدود. كذلك كثرت الأسواق وازدهرت المدن والثغوروأصلحت الطرق وشيدت المعابد. استمر هذا العصر الذهبي في جزيرة العرب أكثر من ألفعام. هذا العصر تمجده التوراة كثيرا وتخلده بالمزامير ويشير إليه القرآن الكريم فيقصص عاد وثمود وإرم وفرعون ومدين وسبأ. كذلك الأساطير العربية التي ربما تستنطقالذاكرة، تتحدث عن عصر غابر تتزاحم فيه الجنان، التي تتدفق فيها العيون وتظللهاالأشجار أو تفيض بالأنهار، التي "يسيل فيها الحليب والعسل"..
بسبب التنافس والنزاع المستمر بين الدول العربية القديمةمن الفينيقيين والأشوريين والبابليين والمصريين في السيطرة على هذا الممر التجاريوالبحري الهام، في القرون الثامن والسابع والسادس قبل الميلاد، ثم أخيرا صعودالإمبراطورية الفارسية وتدمير الدولة البابلية وإحراق عاصمتها بابل ثم غزو العاصمةالثانية تيماء عام 539 ق.م.، تعرضت الجزيرة العربية كسائر المشرق العربي القديمآنذاك لإضطرابات وكوارث اقتصادية وسياسية خطيرة، وظلت عقودا طويلة فريسة للسلبوالنهب والسبي، فدمرت القرى والمدن وبادت كثير من القبائل العربية أو وقعت في الأسرأو أضطرت إلى هجر مواطنها الأصلية. ربما كان أخطر هذه الأحداث هي حملة الملكالأشوري سرجون الثاني (721 ق.م)، حيث دمرت مملكة إسرائيل في الشمال ، ثم حملتاالملك البابلي نبوخذ نصر (597 ثم 587 ق.م، غزوة ذات عرق قرب مكة)، حيث تم تدميرمملكة يهودا في الجنوب وتخريب عاصمتها أورشليم (القدس القديمة في عسير، التي ربماهي اليوم قرية فرت الواقعة قرب مدينة الطائف، أنظر د. كمال الصليبي / التوراة جاءتمن جزيرة العرب) وأخذ كثير من كهنة وأعيان القبائل، ومن ضمنهم بنو إسرائيل (بنوإسرائيل كانوا آنذاك أقرب إلى تحالف قبلي يضم عددا من قبائل الحجاز في غرب الجزيرةالعربية) أسرى إلى نينوة وآشور وبابل. لعل بعض ما تحدثنا به التوراة، وما يرد فيالقرآن الكريم، وما يرويه المؤرخون المسلمون (مثل الطبري، تاريخ الملوك) عن العربالبائدة مثل عاد وثمود وطسم وجديس والعماليق وانهيار سد مأرب، وكذلك حملة الملكالبابلي نبوخذ نصر (غزوة ذات عرق عام 587 ق.م. مثلا)، يرتبط بهذا التاريخ المضطرببالذات وبهذه الكوارث والمحن التي ألمت بهذا الجزء من غرب الجزيرة العربية. إن هذاالفصل من تاريخ العرب القدماء يعطي تفسيرا معقولا لاندثار حضارات الجزيرة العربيةولإختفاء بني إسرائيل ككيان سياسي واجتماعي وتحالف قبلي من الوجود واندثارهم (العربالبائدة). أما اليهودية، التي كانت في البداية دينا قبليا أو قوميا خاصا بالعرب منبني إسرائيل في الحجاز، فقد واصلت انتشارها وإعتنقها كثير من القبائل والشعوبالعربية الأخرى في وقت لاحق، فوصلت أولا إلى اليمن والحبشة، كما بلغت في القرنينالرابع والثالث قبل الميلاد شمال أفريقيا ومصر والشام والعراق. وقبل ظهور النصرانيةوالإسلام كانت اليهودية دينا سائدا في الوطن العربي بين جميع الشعوب العربية منالأشوريين والبابليين والكلدانيين والآراميين والمصريين والأحباش.
وعند ظهورالإسلام كان كثير من قبائل الجزيرة العربية وحواضرها تدين باليهودية، وكانت مدنتيماء ويثرب ونجران مراكز يهودية معروفة. كذلك كان الشاعر العربي الجاهلي السموألبن غريض بن عادياء الأزدي، من بطون قحطان، الذي يضرب به المثل في الوفاء عند العربيهودي الديانة ويسكن في خيبر القريبة من يثرب.

النصرانية

ومن العقائد الأخرى النصرانية التي دخلت بلاد العرب عن طريق التبشير الذي قام به الرهبان والتجار النصارى والرقيق المستورد من بلاد نصرانية وكانت الامبراطورية البيزنطية تشجع التبشير ، لأنه يمهد لسلطانها السياسي . وقد انتشر مذهب اليعاقبة من بلاد الشام والعراق إلى دومة الجندل وأيلة وبعض دياطيء , وأفراد بمكة ويثرب والطائف وخاصة من الأحابيش والرقيق .

لكن أهم مراكز النصرانية في بلاد العرب كانت في اليمن وخاصة نجران , كما انتشرت بصورة محدودة في البحرين وقطر وهجر . وكانت الآرامية هي لغة العلم والدين عند النصارى الشرقيين عامة، ولكن الإنجيل كان يكتب بالعربية أيضاً كما في خبر ورقة بن نوفل.

المجوسية :
وقد انتشرت المجوسية من إيران إلى بعض بلاد العرب , كالحيرة بحكم الجوار , واليمن لورود الحملة الفارسية عليها لطرد الأحباش, وحضرموت ومناطق أخرى شرق شبه جزيرة العرب لقربها من إيران , ولم يكن هذا الانتشار المحدود بدعوة من المجوس , لأنهم لا يحرصون على إدخال الغرباء في دينهم القومي.


- الصابئة :
وكان للصابئة انتشار محدود في العراق وحرّان , وقد انتشرت لفظة (صبأ) بمعنى الخروج من الدين في مكة والطائف حيث أطلقها المشركون على المسلمين لخروجهم من الشرك إلى الإسلام.
كانت تلك لمحات عن الحالة الدينية التي مرت بها الجزيرة الإسلامية عند ظهور الدين الإسلامي. والله أعلم

الحالة الاجتماعية

تعتبر القبيلة الوحدة الاجتماعية في بلاد العرب, وتتكون من:
الصليبية : وهم رجال القبيلة الذين تربطهم روابط الدم , فهم ينتمون إلى سلف واحد .
والحلفاء : وهم رجال أو قبائل صغيرة انتمت إلى القبيلة للاحتماء بها .
والعبيد : ومصدرهم أسرى الحرب أو الشراء .
ويرأس القبيلة شيخ يتصف بالحكمة والشجاعة والكرم , وعادة يكون كبير السن . ويجتمع أعيان القبيلة حول الشيخ في خيمته أو بيته لتدارس شؤون القبيلة ومصالحها , والتحكيم بين أفرادها عندما يقع بينهم خلاف , وبذلك تمارس الشورى بنطاق محدود . وقد تتحالف عدة قبائل كبيرة ضد قبائل أخرى , أو للقيام بمهمة ما ، كما حدث في مكة في حلف الفضول , أو تعقد بينها معاهدات " إيلاف " تضمن سلامة الطرق التجارية كما في إيلاف قريش مع القبائل العربية التي تسكن على امتداد تلك الطرق .
وقد استمرت الحروب بين القبائل العربية حتى غلب الإسلام عليها , مثل حروب الأوس والخزرج في المدينة , وبكر وخزاعة قرب مكة وكان العربي قبل الإسلام يتزوج عادة بامرأة أو أكثر دون تحديد , ولم يكن الحجاب شائعاً بين النساء , ووجد الاختلاط بين الرجال والنساء , ولكنهم سمّوا من يكثر من مخالطة النساء " بالزير ".
وكانت أنواع الزواج تأخذ صيغاً مختلفة منها الزواج بخطبة ومهر وهو الشائع بينهم وقد أقره الإسلام , ومنها صيغ أخرى حرمها الإسلام . وفي الغالب كان الأبوان يزوجان البنت دون أن يكون لها رأي, وقد منع الإسلام ذلك.
ويحب العربي إنجاب الأبناء ويكره البنات, لقدرة الذكر على القتال, وحماية القبيلة من أعدائها, والقيام بالغزو للآخرين. في حين لا تشترك النساء في الحرب, كما أنهن عرضة للسبي. وكانت بعض القبائل تمارس عادة وأد البنات بدفنهن عند الولادة, وهي عادة كانت تشيع في أمم أخرى عاصرتهم بنطاق واسع, وكان الدافعان الرئيسيان للوأد هما خوف العار والفقر. وقد عرف العربي قبل الإسلام بالكرم والشجاعة والصدق والصراحة والعفو عند المقدرة, وحب الحرية, والحفاظ على العرض, والذود عن الحمى, وقد أكد الإسلام على هذه الصفات و أثنى عليها, كما عرف بالتفاخر والغطرسة والكبرياء, وبالغزو وقطع طرق القوافل ونهبها وطلب الثأر مهما طال الزمن وشرب الخمور, وقد حرّم الإسلام ذلك. ويهتم العربي بنظافة بدنه ودهن شعره وتمشيطه وضفره وبخضاب الشيب بالحناء والوسمة والزعفران والتطيب بأنواع الطيب لكنه يهمل ذلك كله عند طلب الثأر.

وهذا العرض الإجمالي للأوضاع السائدة في شبه جزيرة العرب يوضح أحوال البيئة التي بزغ فيها فجر الإسلام وسطعت من خلاله أنوار الوحي على العالم كله وفي مقدمته بلاد العرب التي ظهر منها رسول الإسلام محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام.

الحالة السياسية والاقتصادية

لقد كانت الجزيرة العربية عبارة عن قبائل متفرقة، لا يجمعها كيان سياسي موحد، بل كل قبيلة أو عشيرة لها أعرافها ومنهجها في تسيير أمورها الداخلية والخارجية، فكان على رأس القبيلة شيخ أو سيد، يرجع إليه القوم في النزاعات أو اتخاذ القرارات الحاسمة التي تهم مصالح القبيلة، كالحروب مثلاً أو في تحيد العلاقات الخارجية وبعض الاتفاقات مع بقية القبائل.
لم تكن هناك قوانين مكتوبة يرجع إليها عند الضرورة، بل كانت الأعراف والتقاليد هي السائدة، وجدوا عليها آباءهم فهم عليها سائرون.

أما حول الجزيرة العربية فقد كان هناك في الشمال الإمبراطورية الرومانية، وفي الجنوب الإمبراطورية الفارسية، وهما بمثابة القوتين العظميين المتنافستين، والساعيتين إلى بسط نفوذهما في المنطقة.

ومن هنا فقد كانت القبائل العربية تتعامل بحذر وخوف شديدين مع هاتين الإمبراطوريتين، حيث لم يكن لديها أي وزن سياسي يومئذ، كانوا في أعين الرومان والفرس مجرد أعراب متخلفين وبدو رحل ورعاة مشردون، لا قيمة لهم ولا اعتبار.
كانت شبه جزيرة العرب مفككة سياسياً لا توحدها دولة, ولا تديرها حكومة, وكانت الدول القديمة التي قامت في اليمن ونجد وأطراف العراق والشام قد اندثرت , وطغت البداوة على المدن الباقية في الحجاز , فكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والإجتماعية, وكانت مكة تدار من قبل الملأ في دار الندوة.
والمدينة في حالة نزاع دائم بين الأوس والخزرج تمخض عن ذلك محاولة إنشاء حكم ملكي, لكن انتشار الإسلام فيها حال دون ذلك.
أما دولة المناذرة في الحيرة ودولة الغساسنة في الأردن والجولان فقد سمح الفرس والروم للدولتين بالنشوء لتكونا دولتين حاجزتين تصدان عنهما غزو القبائل العربية, وتتوليان حماية القوافل التجارية. وقد أسقط الفرس دولة المناذرة سنة 602م قبل البعثة المحمدية بثمان سنوات.

- أما الأحوال الاقتصادية في شبه جزيرة العرب, فقد كانت البادية تعتمد على الاقتصاد الرعوي, فالقبائل العربية تستقر في الأماكن التي يتوفر فيها الماء وتصلح لرعي الإبل والأغنام والماعز.

وعندما يشح الماء فإنها تضطر للانتقال مما يجعلها في حروب مع بعضها للحصول على المورد الأفضل. وتوجد في شبه جزيرة العرب واحات زراعية متناثرة يستقر فيها السكان لكنها عرضة لغزو البدو لها.
ويقوم في المدن نشاط تجاري وزراعي وصناعي, وقد يغلب عليها نوع من هذه النشاطات, فمكة كان يغلب عليها النشاط التجاري؛ لأنها تقع بواد غير ذي زرع, وتتحكم بطرق التجارة بين اليمن والشام حيث تمر القوافل محملة بالتوابل والبخور والعطور, وقد استفادت مكة من مكانة الكعبة الدينية عند العرب في حماية قوافلها التجارية وعقد " الإيلاف " مع القبائل التي تجتاز ديارها, واشتهرت برحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن.
أما المدينة - وكانت تعرف قبل الإسلام بيثرب - فكان يغلب عليها الاقتصاد الزراعي حيث اشتهرت ببساتين النخيل والأعناب والفواكه الأخرى والحبوب و الخضروات.
أما الطائف فقد غلبت عليها الزراعة وخاصة بساتين الأعناب والفواكه و الخضروات , وكذلك الصيد حيث تتوافر فيها الحيوانات البرية كالبقر الوحشي والحمار الوحشي والغزلان والظباء والأرانب.
وأما اليمامة فاشتهرت بزراعة القمح الذين كان يزيد عن حاجاتها فتصدر منه إلى الحجاز.

وأما اليمن ففيها زراعة واسعة ومناطق رعوية طبيعية إضافة إلى قيامها بالنشاط التجاري الكبير بنقل التوابل والبخور والعطور والأبنوس والعاج والحرير من الهند إلى بلاد العرب والشام.

وكانت السواحل الشرقية لشبه جزيرة العرب تربط تجارة الصين والهند بالهلال الخصيب (العراق وسوريا ) . وكانت شبه جزيرة العرب تستورد الدقيق والزيت والأقمشة من الشام , كما تستورد التمور والأُدم من العراق . وقد ساعدت أسواق العرب في الجاهلية على نشاط التبادل التجاري, واشتهرت منها أسواق عكاظ ومجنّة وذي المجاز ودومة الجندل ونطاة - بخيبر - وبدر وحباشة.

واستعمل العرب الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي في التبادل التجاري, كما استعملوا المكاييل والموازين ومقاييس الطول في عمليات البيع والشراء.
أما الصناعة في شبه الجزيرة العربية, فقد اشتهرت اليمن بصناعة البرود اليمانية.
وعرفت المدينة بصياغة الحلي الذهبية والفضية؛ وصناعة السيوف والرماح والقسي والنبال والدروع والحراب, كما قامت في المدن العربية حرف التجارة والحدادة والصياغة والدباغة, والغزل والنسيج, والخياطة, والصباغة . ولكن معظم الحرفيين كانوا من الموالي والعبيد ولم يكونوا عرباً. وقد شاع التعامل بالربا في مكة والطائف ويثرب ونجران, ومارسه اليهود وانتقل منهم إلى العرب, وكان على نوعين:
ربا النسيئة؛ وهو زيادة المبلغ على المدين مقابل تأجيل الدفع.
وربا الفضل وهو الزيادة التي تترتب على بيع العينات المتماثلة بسبب اختلاف جودتها.
وكان الربا يؤخذ أضعافا مضاعفة, وقد حرمه الإسلام بنوعيه, قال تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } (البقرة 275).
وكان العرب يعرفون أنواعاً من المعاملات المالية كالقراض والمضاربة والرهن, وكان الغرر يحيط بكثير من عقود البيع والشراء كالمنابذة والملامسة والنجش وبيع الحاضر للبادي. وكذلك كان الاحتكار يدخل في معاملاتهم التجارية, كما تفرض عليها المكوس الباطلة. وقد حرّم الإسلام البيوع التي فيها غرر أو ضرر كما حرم الربا والاحتكار تحقيقاً للعدل بين الناس. فعاش الناس في خير ورفاهية لما تمسكوا بهدي الإسلام في سياستهم واقتصادهم، وأصابهم الضنك والضيق لما تنكبوا الصراط المستقيم.
هذا باختصار شديد أهم المحطات في حياة العرب في جزيرة العرب وما حولها، وحالتهم المعيشية قبل البعثة النبوية، وبعد هذا ننتقل إلى مرحلة أخرى جديدة ومختلفة تبدأ بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وتنتهي بموته، وما بين الحدثين سنعيش أحداثاً عظيمة غيرت مجرى التاريخ البشري ورسمت له معالم جديدة سترافقه حتى تقوم الساعة.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين




رد مع اقتباس
قديم 01-14-2011, 12:20 PM   #2
عضو نشيط


الصورة الرمزية بحر العلم
بحر العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 75
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : اليوم (03:12 PM)
 المشاركات : 184 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : ????
افتراضي رد: دروس وعبر تربوية من سيرة خير البرية :: الدرس الأول :: مرحلة ماقبل البعثة



الدرس الثاني





من المولد الى فترة رعي الغنم








ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم الأب بعدما فقد أباه عبد الله بن عبد المطلب وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه، وقد مات في رحلة تجارية في قبيلة بني النجار وهم أصهاره بسبب مرض ألم به في الطريق.
فكانت بداية المحن لهذا الرسول الخاتم ولماَّ يصل بعد إلى هذه الدنيا.
فما أقسى وأصعب أن يولد المرء يتيم الأب في مجتمع قائم على العصبية أصلاً حيث تكون للأب قيمة كبرى ومكانة عالية في الأسرة العربية الأبية.


لكن الله تعالى يدبر أمره بحكمة لا يعلمها كثير من الناس، يحرم أفضل خلقه وسيدهم من حنان الأبوة، فلابد أن تكون هناك حكمة بالغة لا ندركها بعقولنا وعواطفنا الناقصة القاصرة.


كذلك الحال فيما يخص بقية الخلق من بعده، فلا ينبغي أن نفسر فقدان الأب بأنه حدث كارثي لبنيه من بعده وبأن حياتهم ستكون ناقصة أو جامدة وأنه لا يمكنهم تحقيق أي نجاح فيها كما يفعل غيرهم.


نعم، إن لوجود الأب أهمية كبرى في حياة أبنائه ولكنه ليس شرطاً لكي تتواصل الحياة أو عائقاً لهذه الحياة إن غاب هذا الأب عن مسرح الحياة. وهذا درس عظيم لنا جميعاً لندرك حكمة الله تعالى ونرضى بقضائه فلا تتوقف الحياة بموت الأب أو الأم، ولكي لا تتحول حياة الأبناء إلى كتلة من الأحزان واليأس والجمود، بل لابد من مواصلة هذه الحياة والسعي إلى تحقيق النجاح والاعتماد على الله تعالى ثم على النفس.


فالله سبحانه سُيسخّر لهؤلاء الأيتام الصغار من يعولهم ويقوم بواجباتهم حتى يبلغوا أشدهم .


وتحضرني في هذا المقام قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح " الخضر" وبالضبط في قصتهما مع جدار أهل القرية التي أبوا أن يضيفوهما.


كان في القرية البخيلة غلامين يتيمين، وكان أبوهما ( الجد السابع كما ورد في التفاسير) صالحاً، فأراد الله تعالى أن يكرمهما ويحفظ لهما رزقاً مدفوناً تحت ذلك الجدار، وقد ورد في التفاسير أنه عبارة عن لوح من الذهب كتب عليه حكم وعلم نافع إلى جانب مال وفير، فالعلم رزق سيرثه الغلامان ويجعلهما صالحين مثل أبيهما، وأما المال فهو رزق آخر يمكنهما من تغطية مصاريفهما دون الرجوع إلى مساعدة الآخرين، وتكون أيديهما عالية.
فالعلم والمال وجهان لعملة واحدة، فكلاهما رزق، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، فالعلم بدون مال يكون ناقصاً، وكذلك مال بدون علم من شأنه أن يقود صاحبه إلى التبذير وسوء التصرف، وربما إلى المعاصي وإلى الكفر والعياذ بالله.
هنا أيضاً تجلت رحمة الله تعالى بهذين الغلامين، وحفظ لهما رزقهما كما حفظه من قبل لأصحاب السفينة وللأبوين المؤمنين الصالحين، فالرزق قد يكون مالاً حلالاً وقد يكون علماً نافعاً وقد يكون ذرية صالحة، وفي كل الأحوال فهو محفوظ من قبل الله عز وجل ومضمون حينما يتوفر شرط الصلاح.



تماماً كما يسّر الله لرسوله الكريم من يعوله ويتكلف بشؤونه، حيث سخر له في بداية الأمر جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب من بعد وفاة جده، ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) [الضحى:6-8]، فالله على كل شيء قدير ولا يمكن أن يضيع خلقه أبداً.




من السنة السادسة إلى السنة الثامنة



ألم يجدك يتيماً فآوى


ظل في كنف جده يعتني به ويتخذه في مقام ابنه العزيز عبد الله المفقود، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يفارق جده ويصحبه معه حتى في مجالسه الخاصة التي كان يعقدها مع كبراء القوم في دار الندوة، وهذه خاصية لم تُعط لأقرانه من الصبية.


وتذكرنا هذه المكانة بالتي كانت لسيدنا يوسف لدى أبيه سيدنا يعقوب عليهما السلام ، مكانة متميزة تليق بخاتم النبيين وسيد المرسلين حتى وهو في سن مبكرة، فالله تعالى يحيط رسله وأنبياءه بعناية خاصة تمهيداً لتحميلهم مهمة الرسالة، وفترة الطفولة من أهم المراحل التي تطبع حياة المرء وتظل راسخة في عقله وبإمكانها أن تؤثر على بقية عمره سلباً أو إيجاباً.


تعتبر هذه السن المبكرة من عمر الطفل بالغة الأهمية من أجل التلقين والتأثر بالبيئة التي تحيط به، لذلك وجب الاعتناء بأطفالنا في هذه المرحلة الحساسة جداً، ولا ينبغي القول بأن الطفل ما زال صغيراً وغير قادر على الاستيعاب والتعلم، بل بالعكس تماماً فهو يكون في حالة شغف شديد لالتقاط كل حركة وسكنة ممن يحيط به خاصة والديه، فلنحذر أن نضيع هذه الفترة من عمر أطفالنا فيما لا فائدة من ورائه، فنرمي أطفالنا في أحضان التلفاز أو ألعاب الفيديو المتعددة الأنواع والمخاطر أو في أحضان المربيات في دور الحضانة دون أن نشبعهم الحنان والحب والتوجيه المطلوب، كما ينبغي علينا أن نكون قدوة بأفعالنا وتكون حركاتنا هي الخطاب المناسب لتمرير ما نريده إلى عقول أطفالنا في هذه السن المبكرة.


توفي جده عبد المطلب وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كنف عمه أبي طالب، وهو الذي خلف أباه عبد المطلب في زعامة بني هاشم وكان أكبر أولاده، كما كان كثير العيال وقليل الدخل مما قد يجعل من قدوم النبي إلى بيته عبءاً مادياً جديداً على كاهل عمه ولكن الله تعالى جعل قدوم محمد عليه الصلاة والسلام قدوم رحمة وبركة على بيت عمه، حيث عمَّت البركة في طعامهم وشرابهم وزاد الله عمه أبا طالب رزقاً وفتح عليه في تجارته.


كما طلب النبي من عمه أن يسمح له بمزاولة عمل يمكِّنه من التخفيف على عمه فكان أن اختار رعي الغنم لقريش مقابل أجر مادي.


ومهنة الرعي حرفة قام بها كل الأنبياء من قبله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "« ‏مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ » فقال: أصحابه: وأنت؟ قال: « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى ‏ ‏قَرَارِيطَ ‏ ‏لِأَهْلِ مَكَّةَ » [البخاري] .


وسبحان الله العظيم الذي له حِكم كثيرة في هذا الأمر، حيث أن هذه المهنة تحيي وتربي النفوس على سمات كثيرة لابد أن تتوفر في الداعية والقائد على حد سواء، فهذا التوجيه الرباني لأنبيائه لم يكن سدى، بل لتحقيق هذه الغايات في نفوسهم ليكونوا أهلاً لتحمل أمانة الرسالة والدعوة والجهاد.فيمكننا القول أن مهنة الرعي تُعتبر مدرسة للدعاة، ترسخ في نفوسهم مجموعة صفات أهمها:




أولاً : الصبر والأناة
فالراعي ينبغي أن يتحمل القطيع منذ لحظة خروجه من الحظيرة وحرصه على أن يبقى متجمعاً كالجسد الواحد، دون أن يتيه أو يضيع رأس واحد، وهي عملية ليست باليسيرة.
أما في المرعى فلا بد للراعي أن يتسلح بالصبر حتى يشبع كل من في القطيع مع بطئ عملية الأكل وتنقل الأغنام من منطقة إلى أخرى بحثاً عن العشب المناسب لهم.



ثم في نهاية اليوم ينبغي على الراعي أن يصبر على شياهه وغنمه ويحرص على أن تعود كاملة وسالمة إلى الحظيرة. وكذلك الدعاة – ومن باب أولى الأنبياء والرسل – فإنهم أكثر الناس صبراً وتحملاً للناس، على أن يبقوا في دائرة التوحيد ويردوا كل شارد أو خارج عن هذه الدائرة إليها، وما أكثر أنواع التمرد لدى البشر وحبهم للشهوات واندفاعهم نحو سبل الشيطان، رغم أن الكثير منها يكون تحت غطاء شرعي، لكنها من باب لبس الذئب ثوب الواعظين.


ثانياً : الرحمة وحب الخير
من مهمات الراعي أن يرجع بالقطيع شبعاناً في آخر اليوم، ويحرص على أن يبقى سالماً من كل سوء، ويحرص كذلك عن دفع كل المخاطر المادية التي قد تهدد سلامته، بصرف النظر عن الأجر المادي الذي يتقاضاه مقابل هذه المهمة.


فلو شاء لما كلف نفسه عناء البحث عن المرعى المناسب والتنقل المستمر بحثاً عن الغذاء الغني لقطيعه، لكن دافع الرحمة وحب الخير لهذا القطيع يجعله أحرص على تلبية حاجيات قطيعه الغريزية والفطرية.


وهذه صفة نجدها في المرسلين جميعاً وفي الدعاة من بعدهم، الرحمة وحب الخير لكل الناس حتى للمخالفين لهم بل وللمحاربين أيضاً.وقد أراد الله تعالى أن يمارس الأنبياء هذه المهمة لفترة من الزمن لكي تُغرس في نفوسهم تلك الرحمة والشفقة التي سيسكبوها على أتباعهم أو خصومهم على حد سواء، طمعاً وحرصاً على هدايتهم، وقول الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )[الأنبياء 107]، أبلغ وأفضل دليل على أن صفة الرحمة صفة ملازمة لكل الأنبياء، ومن باب أولى للدعاة من بعدهم لكي يحرصوا على هداية الخلق ولا يتركوا جهداً إلا ويبذلوه في هذا السبيل.


ثالثاً : التواضع
ما أجمل أن يملك الإنسان نفسه وما أصعب أن يقهرها بهذه الصورة الفريدة، حيث يكون خادماً لهذه البهائم الضعيفة، ينظف مكان نومها ويقوم على توفير طعامها وشرابها ويداوم على هذا الأمر صباح مساء دون ملل أو فتور.


فهذا هو التواضع الحقيقي الذي يحتاجه الداعية المسلم ليكون خادماً لغيره دون ذل أو انكسار بل بدافع الحب والإيثار، وابتغاء ما عند الله، وتربية هذه النفس على التضحية والفداء أثناء الدعوة بوقته وماله وحظوظ نفسه لكي يصل في النهاية إلى آخر محطة من محطات التضحية وهو التضحية بالروح في سبيل الله.


فالمتواضع يكون بالضرورة كريماً وسخياً بينما يكون المتكبر بخيلاً وحريصاً على ما عنده من ماديات لكي يظل دوماً مترفعاً على غيره.


وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ‏لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ » فقال رجل: الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ؟ فقال: « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ ‏ ‏بَطَرُ ‏ ‏الْحَقِّ ‏ ‏وَغَمْطُ ‏ ‏النَّاسِ » .


ولا يمكن أن تتواجد صفة الكبر في نفوس الدعاة إلى الله، لأن ذلك يتناقض مع المهمة والرسالة التي يحملونها، حيث يتوجب على الداعية أن يتنازل عن رغباته وينزل من مستواه ليصطف مع مدعويه قصد الارتفاع بهم إلى حيث ينبغي أن يكونوا.
كما أن صفة الكبر تمنع الإنسان من العطاء وتجعله دوماً مترفعاً على غيره ويتمنى لو يبقى وحده في برجه العاجي بعيداً عن هموم الناس وحاجياتهم.




رابعاً: الشجاعة
من طبيعة عمل الراعي الاصطدام بالوحوش المفترسة، وقطاع الطرق دفاعاً عن قطيعه، مما يُكسبه خبرة في مواجهة الصعاب والتغلب عليها بعيداً عن الناس، وهذا من شأنه أن يُكسبه هيبة عند الناس وثقة في نفسه.



والداعية لابد أن يكون شجاعاً مقداماً ليكبر في أعين الناس ويمنحوه ثقتهم بل وليجعلوه إماماً لهم في السراء والضراء، فما بالك بالأنبياء والرسل وهم يتلقون عن الله تعاليم الشريعة الغراء، ومطالبون بأن يغيروا مجتمعات ونفوساً، وسيلقون في سبيل ذلك كل أنواع الرفض والإيذاء ، وصفة الشجاعة ضرورية في القائد لكي يواجه كل هذا بنجاح ويحافظ على دعوته ويحمي أتباعه.


ولاشك أن تربية أطفالنا منذ صغرهم على ركوب بعض المخاطر وغرس صفات البطولة والإقدام في نفوسهم من شأنها أن تساهم في تكوين رجال قادرين على حمل أمانة الدعوة والجهاد في سبيل الله، ونُبعدهم عن حياة الرغد والدعة ونُعوِّدهم على حياة الخشونة والتقشف المتعمد ليكسبوا هذه الخاصيات ويتعودوا عليها.


خامساً: الاعتماد على النفس في الكسب
من الحكمة أن يتعلم الإنسان منذ نعومة أظفاره كيف يبحث عن كسب عيشه، وفي هذا فوائد كبيرة وعظيمة جداً، أولها أنه يتعلم الاستعفاف في طلب الرزق وعدم الاعتماد على الغير ولو كانوا من أقرب الأقربين ، كما هو الشأن في حالة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان في كنف عمه أبي طالب وهو يعلم أنه كثير العيال كثير النفقة، لذلك سارع إلى البحث عن مهمنة تمكنه من التخفيف عن عمه ومد يد العون له بدلاً من أن يكون عالة زائدة وثقلاً إضافياً على عمه المثقل أصلاً .


من جهة أخرى يدرك المرء قيمة المال والجهد منذ صغره وذلك لكي يقدر جهود والديه ومن يقوم على رعايته، ولكي يقوم هو بدوره على أحسن وجه اتجاه من سيعولهم في هذه الحياة.


إن الله هو الرزاق وقادر على أن يرزق عباده دون أن يأخذوا بالأسباب خاصة نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، ولكنه سبحانه يريد لنا أن نتربى ولا نخرج عن سنن الله في الأخذ بالأسباب وعدم حرق المراحل قبل نضوج الثمرة لكي نقدر قيمة هذه الثمار ونحرص عليها.
ورد في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ‏مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ‏ ‏دَاوُدَ ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ».
كما أن الذي يعتمد على نفسه في معيشته تكون له استقلالية وحرية في اتخاذ قراراته، ولا يرتبط بالطواغيت الذين يستغلون الجانب المادي لتركيع الناس لسياساتهم ولقوانينهم ، فيتحولوا إلى عبيد لهم بسبب هذا الترابط المادي.
فلا أفضل من أن يكون الداعية بعيداً عن هذه القيود لكي يتمكن من ممارسة دعوته وواجباته الدينية بمعزل عن كل الضغوط.


والمهن الحرة تعتبر اليوم من آخر وأهم الملاذات للمؤمنين والدعاة والمصلحين لكي يُبعدوا عن أنفسهم شبهات وضغوطات وإغراءات الجهات المخالفة ومن يسعون إلى محاربتهم في مجتمعاتهم.
هذه بعض الصفات التي يمكن أن نستخلصها وترسخها مهنة الرعي في نفوس الدعاة والمصلحين، ولا ينبغي أن يُفهم أنها دعوة لممارسة مهنة رعي الأنعام في كل مكان وزمان، ولكننا أردنا فقط أن نقف بعض الأسرار الكامنة وراء هذه المهنة الفاضلة التي مارسها كل الأنبياء بلا استثناء.
لكن بالمقابل نوجه دعوة لكل الدعاة والجماعات الدعوية أن يتدربوا على مهنة القيادة في إطار ضيق ومحدود في انتظار أن يخرجوا للناس فيكونوا أهلاً لمهنة الدعوة والإصلاح كما كان أنبياء الله ورسله من قبلهم.


ووجدك ضالاً فهدى
إن الله تعالى قد حفظ نبيه صلى الله عليه وسلم من الشرك وعبادة الأصنام, روى الإمام أحمد في مسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حدثني جار لخديجة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة: « ‏أَيْ ‏خَدِيجَةُ ‏وَاللَّهِ ‏‏لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ أَبَدًا وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ الْعُزَّى أَبَدًا »وكان لا يأكل ما ذبح على النصب، ولم يتعامل بربا قط كما يشرب خمراً ولا أتى زنا وغيرها من المحرمات التي كانت سائدة في مكة.

عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به، إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها: أبصر إليَّ غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة، كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء، وضرب دفوف، ومزامير، فقلت: ما هذا؟» فقالوا: فلان تزوج فلانة، رجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته».

[1]
وهذا الحديث يوضح لنا بعض الحقائق التي ينبغي الوقوف عليها:

أولاً : أن للبيئة أهمية كبرى في تربية النشء ، فقد تكون سلاحاً ذو حدين في مجال التربية، إما معيناً للمربين من أجل بلوغ وتحقيق أهدافهم التربوية وإما سبباً في هدم كل جهودهم وتعطيل عامل الاستفادة لدى النشء الصاعد.
ومهما يبلغ المرء من درجات التقوى والصلاح فإنه معرض للفتنة والانحراف واتباع الشهوات ولا عاصم له من هذا كله سوى رحمة الله تعالى التي تتدخل في اللحظات الحاسمة لكي تبعد عنه السوء والفحشاء وتفادي السقوط فيهما.




ثانياً: ضرورة اختيار الصحبة الصالحة والابتعاد عن الرفقاء السوء حتى لو كان نتيجة ذلك خسران بعض المكاسب المادية.
فلئن يخسر المرء مادياً ويفوِّت منافع آنية خير من أن يخسر دينه وتكون هذه العلاقات سبباً في شقائه الأبدي. إذ ليس من السهل التخلص من شوائب الجاهلية التي تعلقت بالمرء في صغره، وعليه بالمقابل أن يتشبث بالرفقة الصالحة التي تعينه على دينه حتى لو لم يجد لديها بعض ما تشتهيه النفس من متاع الدنيا، فهذا خير له في دينه ودنياه.
وهذه دعوة للآباء والأمهات على حد سواء أن يختاروا لأبنائهم البيئة المناسبة التي ستساعدهم على تلقين أطفالهم تعاليم دينهم وينشئوهم على طاعة الله وعلى الأخلاق الفاضلة التي تؤهلهم بالتالي إلى بلوغ مراتب الدعاة والمصلحين.


ثالثاً: يظهر هنا حفظ الله ومدده لعباده الصالحين، حيث يصرف سبحانه عنهم السوء والفحشاء ويحبب إليهم الإيمان والصلاح دون أن يقوم المرء بأدنى جهد في ذلك.
إنه اصطفاء من الله واختيار لهذه الزمرة الطيبة التي يرى فيها سبحانه وتعالى بذور الخير فيسقي نفوسهم بالعمل الصالح وقلوبهم بالتقوى والبعد عن الفساد لكي ينصر بهم دينه. مثل ما فعل مع رسوله الكريم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أدبني ربي فأحسن تأديبي" ومدحه سبحانه وتعالى في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )[ القلم:4]، ومن قبل ذلك مع كليم الله موسى عليه السلام في قوله تعالى: ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )[ طه:39].، وقوله تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) [طه:41].
إلى أن نلتقي مع بقية الأحداث التي سبقت بداية البعثة وبدء نزول الوحي،أود أن أذكر إخوتي بأني حاولت تفادي سرد الأحداث بالتفصيل لأنه ليس الهدف والغاية من هذا البحث، حيث بإمكان الإخوة أن يجدوا ذلك في المراجع الأساسية للسيرة النبوية وكذلك في كتب التفسير وغيرها من أمهات الكتب، بينما حاولت أن أقف - ما وجدت إلى ذلك سبيلاً - على أهم الدروس والعبر والوقفات التربوية وراء كل حدث من سيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.


ليس هناك شك أن فترة ما قبل الوحي ليست غنية بما نريد من وقفات تربوية ومحاولة إنزال ذلك على واقعنا المعيش، إذ أن فترة التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم تبدأ أساساً من بدء الوحي الذي يشكل منطلق المسيرة الدعوة والجهادية للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه رغم ذلك حاولنا استخراج بعض الوقفات التي نأمل أن تفيدنا في حياتنا الدعوية والجهادية ونحاول تطبيقها على أبنائنا الذين يشكلون الجيل الصاعد وأمل هذه الأمة إن شاء الله.


هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1- قال ابن حجر في المطالب العالية بعد أن ساق روايةإسحاق بن راهوية من طريق ابن إسحاق : " هكذا رواه محمد بن إسحاق في السيرة ، وهذه الطريق حسنة جليلة ، ولم أره في شيء من المسانيد الكبار إلا في مسند إسحاق هنا ،وهو حديث حسن متصل ورجاله ثقات" .


:::::::::::::::::::::::::::::::::::


 

رد مع اقتباس
قديم 01-14-2011, 12:21 PM   #3
عضو نشيط


الصورة الرمزية بحر العلم
بحر العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 75
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : اليوم (03:12 PM)
 المشاركات : 184 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : ????
افتراضي رد: دروس وعبر تربوية من سيرة خير البرية :: الدرس الأول :: مرحلة ماقبل البعثة



الدرس الثالث



آخر أهم الأحداث قبل البعثة



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

تتمة لوقفاتنا التربوية على سيرة خير البرية، في فترة ما قبل النبوة، نواصل الحديث عن أهم الأحداث التي عاشها سيد البشرية والتي نرى لها أثراً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي بإمكاننا أن نقتبس منها بعض النور لينير لنا الطريق إلى الله، ونزداد إيماناً ويقيناً بصحة هذا الدين وبعصمة صاحبه عليه أفضل الصلاة والسلام.

نقف في هذا الدرس على آخر الأحداث قبل بدء الوحي، والدخول في أحداث السيرة الحقيقية التي سنجد فيها زخماً هائلاً من الدروس والعبر والمواقف التربوية بحول الله.
يتعلق الأمر تباعاً وعلى حسب الترتيب الزمني: لقاء النبي مع بحيرى الراهب حرب الفجار حلف الفضول الاشتغال بالتجارة زواجه بخديجة رضي الله عنها- إعادة بناء الكعبة التعبد والخلوة في غار حراء.

لقاء الراهب بحيرى بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو غلام

قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له وقال والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا ، أو كما قال . فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبها راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها - فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر . فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى ، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك ، فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام . فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك - فيما يزعمون - عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم عبدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم ما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرى : صدقت ، قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما ، فتأكلوا منه كلكم . فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش : لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ، قالوا له يا بحيرى ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا ، فتخلف في رحالهم فقال لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم قال فقال رجل من قريش مع القوم واللاتي والعزى ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم . فلما رآه بحيرى ، جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده وقد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تسألني باللاتي والعزى شيئا ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما " ، فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال له " سلني عما بدا لك " . فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده .

قال ابن هشام : وكان مثل أثر المحجم . قال ابن إسحاق :فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ما هذا الغلام منك ؟ قال ابني . قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ، قال فإنه ابن أخي ، قال فما فعل أبوه ؟ قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينه شراً ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده .

فقال وهو آخذ بيده : هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ، فقال أبو طالب : ما علمك بذلك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخر ساجداً، ولا تسجد إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا.
فخرج به عمه أبو طالب سريعاً ، حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما روى الناس أن زريراً وتماماً ودريساً - وهم نفر من أهل الكتاب - قد كانوا رأوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرى ، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه . [ سيرة ابن هشام]

يمكننا استخلاص بعض الحقائق والدروس من قصة بحيرى كالتالي:

1- أن اليهود من أشد الناس عداوة لهذا الدين حتى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم{لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا}، وما زالوا مصدر عداء وتزوير لهذا الدين ، ومصدراً للمكر والكيد للمسلمين في كل زمان ومكان، وسيظلون كذلك حتى تقوم الساعة، حين سيقاتلهم المسلمون حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله، تعال إن ورائي يهودياً فاقتله.

2- أن النصارى أقرب إلى الإسلام من غيرهم لأنهم أرق قلباً وأقرب إلى الحق وبخاصة رهبانهم وقسيسيهم كما ذكر ذلك رب العزة في قوله : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) [المائدة-82] ، جاء في تفسير ابن كثير : { أَيْ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ نَصَارَى مِنْ أَتْبَاع الْمَسِيح وَعَلَى مِنْهَاج إِنْجِيله فِيهِمْ مَوَدَّة لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله فِي الْجُمْلَة وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا فِي قُلُوبهمْ إِذْ كَانُوا عَلَى دِين الْمَسِيح مِنْ الرِّقَّة وَالرَّأْفَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَجَعَلْنَا فِي قُلُوب الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ رَأْفَة وَرَحْمَة وَرَهْبَانِيَّة " وَفِي كِتَابهمْ : مَنْ ضَرَبَك عَلَى خَدّك الْأَيْمَن فَأَدِرْ لَهُ خَدّك الْأَيْسَر وَلَيْسَ الْقِتَال مَشْرُوعًا فِي مِلَّتهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " أَيْ يُوجَد فِيهِمْ الْقِسِّيسُونَ وَهُمْ خُطَبَاؤُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ.
وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن مَرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد الْخَانِيّ حَدَّثَنَا نَضِير بْن زِيَاد الطَّائِيّ حَدَّثَنَا صَلْت الدَّهَّان عَنْ جَاثِمَة بْن رِئَاب قَالَ سَمِعْت سَلْمَان وَسُئِلَ عَنْ قَوْله " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا " فَقَالَ هُمْ الرُّهْبَان الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّوَامِع وَالْخَرِب فَدَعُوهُمْ فِيهَا قَالَ سَلْمَان : وَقَرَأْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ فَأَقْرَأَنِي ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينَ وَرُهْبَانًا فَقَوْله : " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " تَضَمَّنَ وَصْفهمْ بِأَنَّ فِيهِمْ الْعِلْم وَالْعِبَادَة وَالتَّوَاضُع ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعه وَالْإِنْصَاف } .
والناظر إلى الواقع يجد هذه الحقيقة واضحة جلية، حيث نشاهد يومياً إسلام الكثير من المسيحيين وبخاصة علماؤهم بخلاف ندرة إسلام عوام اليهود فضلاً عن علمائهم.

3- حدوث معجزات وكرامات كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة مثل سجود الشجر والحجر له، وتظليل الغمام له وميل فيء الشجرة عليه، وهي غير مستبعدة في حق خير البرية وخاتم النبيين وسيد المرسلين بل سيد ولد آدم أجمعين.

4-أن هذه الرحلات التجارية تكون مصدراً للكثير من الفوائد ومناسبات لاكتشاف البلدان من حوله وطبائع الناس الذين سيُبعث إليهم، فهي مراحل تمهيدية لابد منها قبيل بداية الدعوة. والدعاة إلى الله تعالى ينبغي أن يكونوا على دراية جيدة بالبلدان والمناطق المجاورة لهم والتعرف على تقاليد الناس وطباعهم ليتمكنوا من إيجاد المفاتيح اللازمة لفتح قلوبهم وهدايتهم إلى طريق الحق.

حرب الفِجَار

وقعت في سوق عُكاظ حرب بين قريش - ومعهم كنانة - وبين قَيْسعَيْلان، تعرف بحرب الفِجَار وسببها‏:‏ أن أحد بني كنانة، واسمه البَرَّاض، اغتال ثلاثة رجال من قيس عيلان، ووصل الخبر إلى عكاظ فثار الطرفان، وكان قائد قريش وكنانةكلها حرب بن أمية؛ لمكانته فيهم سنا وشرفًا، وكان الظفر في أول النهار لقيس علىكنانة، حتى إذا كان في وسط النهار كادت الدائرة تدور على قيس‏.‏ ثم تداعى بعض قريشإلى الصلح على أن يحصوا قتلى الفريقين، فمن وجد قتلاه أكثر أخذ دية الزائد‏.‏فاصطلحوا على ذلك، ووضعوا الحرب، وهدموا ما كان بينهم من العداوة والشر‏.‏
وسميت بحرب الفجار؛ لانتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينبل على عمومته؛ أي يجهز لهم النبل للرمي‏.وسميت يوم الفجار بسبب ما استحل فيه من حرمات مكة التي كانت مقدسة عند العرب. وقد قال صلى الله عليه وسلم عن تلك الحرب: «كنت أنبل على أعمامي» أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
وكان صلى الله عليه وسلم حينئذ ابن أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، وقيل ابن عشرين، لكن الأرجح هو الأول بسبب أنه كان يناول عمه النبال ولم يرد عنه أنه شارك فيها مقاتلاً، مما يدل على حداثة سنه.
وبذلك اكتسب التجربة والشجاعة والمشاركة في الحرب ، وتمرن على القتال منذ ريعان شبابه، وقد انتهت هذه الحرب كمثيلاتها التي كانت تنشب بين القبائل العربية لأتفه الأسباب والتي كانت تدوم سنوات بل أجيالاً، إلى أن أذن الله لها أن تتوقف بظهور الإسلام ومجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ألف بين قلوبهم وجمعهم على كلمة سواء ليخرج بهم العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويقود بهم البشرية الحائرة إلى بر الأمن والأمان والهداية والصلاح، بدلاً من التشرذم والتقاتل لأتفه الأسباب.

حلف الفضول:

كان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار، وسببه أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة ونادى بأعلى صوته:



يا آل فهر لمظلوم بضاعتـه * * ببطن مكة نائي الدار والنـفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته * * يا للرجال وبين الحِجر والحَجَر
إن الحـرام لم تمت كرامتـه * * ولا حرم لثوب الفاجر الغُـدر


فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك. فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه ما بل بحر صوفة، وما بقي جَبَلا ثبير وحراء مكانهما ، ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه ، وسمت قريش هذا الحلف حلف الفضول، وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر.

وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب:


إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا ** ألا يقيم ببطن مكة ظالـم
أمر عليه تعاقدوا وتواثقـوا ** فالجار والمُعتـرّ فيهم سالم





وقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحلف ، وسمي بحلف المطيبين ،وعنوانه نصرة المظلوم والضرب على يد الظالم مهما كان شأنه وإعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ولو أدى ذلك إلى نشوب حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم، وأني أنكثه »( صحيح ) . وزاد في رواية : قال : المطيبون : هاشم ، وأمية ، وزهرة ، ومخزوم . حلف المطيبين . قال في النهاية : اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان فيالجاهلية ، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسموا المطيبين .

وقال صلى الله عليه وسلم: « لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت » .[أنظر سيرة ابن هشام]
[1]

ويذكرنا هذا الحلف بحلف المطيبين في عراق الإسلام حديثاً، والذي كان الأساس لدولة العراق الإسلامية المعاصرة، والذي كان من أهم المشاركين فيها تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ومجموعة من الفصائل المجاهدة والكثير من رؤساء العشائر العراقية.

دروس وعبر تربوية

أولاً : إن العدل غاية سامية ومحاربة الظلم من أوجب الواجبات وعليه قامت السماوات والأرض، ومن أجله بعث الله الرسل، إحقاق الحق وإبطال الباطل ونشر العدل بين الناس بصرف النظر عن دينهم ومعتقدهم.، وقد أبدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعزازه وفخره بالمشاركة في هذا الحلف ولو كانت الأطراف التي تعاقدت عليه غير مسلمة أصلاً وما زالت غارقة في الجاهلية.

ثانياً: بالرغم من انتشار الظلم والفساد في تلك الجاهلية الجهلاء قبل البعثة النبوية إلا أنه كان هناك بعض الخير في نفوس الناس، وحرصهم على تحقيق العدل ورفضهم للظلم ولكل معالم هذه الجاهلية، نفوس أبية جُبلت على الكرم وحب الخير ، وهي بمثابة شموع مضيئة وسط ظلام دامس.
ومن هنا ينبغي على الدعاة أن يبحثوا على هؤلاء في مجتمعاتهم لكي ينضموا إلى صفوف الحق ويكونوا جنوداً للحق بدلاً من بقائهم طاقات ضائعة وجهوداً مهدورة لنصرة الباطل أو في أفضل الحالات في موقف الحياد اتجاه سنة التدافع بين الحق والباطل.

ثالثاً: على الدعاة والمجاهدين جميعاً أن يكون الحق هو شعارهم في مسيرة التغيير، ويكون نصرة المظلوم والضرب على يد الظالمين هو الغاية الكبرى، ولا ينبغي أن يدفعنا خلاف الآخرين معنا إلى ظلمهم والاعتداء عليهم ما لم يجاهرونا بالعداء أو يبدأونا بقتال أو يناصروا الطواغيت، فالعدل أساس النجاح وضمان للنصر والتمكين كما أن الظلم والحيف هما سبب رئيس للضعف والهزيمة.

رابعاً: يجوز للحركات الجهادية المعاصرة أن تعقد بعض الاتفاقيات أو المعاهدات المؤقتة مع مخالفيها أو الأطراف المحايدة الأخرى، أو تكون طرفاً في هذه التحالفات إن كان موضوعه هو نصرة المظلومين وضمان بعض الحقوق المتفق عليها وغير مناقضة لتعاليم ومبادئ ديننا الحنيف، وهو معنى قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )[المائدة: 2]، فأبواب الخير مفتوحة ولسنا نحن من يوصدها في وجه كل باغ للخير محارب للظلم.
وحلف الفضول هذا يُعتبر نموذجاً ومثلاً لما يمكن أن يشارك فيه المسلمون بعامة والمجاهدون بصفة خاصة مع الأطراف والطوائف المحيطة بهم في الساحة، والدليل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: « ما أحب أن لي به حمر النعم » لنظراً لما يحققه من عدل ورفع للظلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: « ولو دعيت به في الإسلام لأجبت »طالما أن يردع الظالم عن ظلمه ويحفظ للمظلوم حقوقه ويسترجعها له.

زواجه من خديجة رضي الله عنها

كانت خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - ذات شرف ومال، تستأجر الرجال ليتاجروا بمالها، فلما بلغها عن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار. فقبل وسافر معه غلامها ميسرة ، وقدما الشام، وباع محمد - صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد من السلع، فلما رجع إلى مكة وباعت خديجة - رضي الله عنها - ما أحضره لها تضاعف مالها .

رأت خديجة - رضي الله عنها - في مالها البركة ما لم تر قبل هذا، وأُخْبِرت بشمائله الكريمة، فتحدثت برغبتها في زواجه إلى صديقتها نفيسة أخت يعلى بن أمية .
يقول ابن حجر في كتابه الإصابة : " .. إن السيدة خديجة - رضي الله عنها - كانت ذات شرف وجمال في قريش، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في تجارة لها - رضي الله عنها - إلى سوق بصرى، فربح ضعف ما كان غيره يربح . قالت نفيسة أخت يعلى بن أمية : فأرسلتني خديجة إليه دسيساً (خفية)، أعرض عليه نكاحها، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان مات في الجاهلية، وحين تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت أيماً بنت أربعين سنة، وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصابت بذلك خير الدنيا والآخرة " ..

وقفات تربوية

* تعتبر التجارة من أفضل الوسائل التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا المسلمين إلى مزاولتها، حيث حدد بأن الله عز وجل جعل تسعة أعشار الرزق فيها. وهذا دليل على أن المسلمين بعامة والدعاة بخاصة مدعوون إلى إحياء هذه السنة والتركيز على هذه الحرفة الشريفة كمصدر رزق لهم ولذويهم، وكذلك مصدر تمويل لدعوتهم، حتى يحققوا نوعاً من الاكتفاء الذاتي، وعدم السقوط في التبعية لهذا الطرف أو ذاك، وبالتالي التحرر من كل القيود التي من شأنها أن تدفع إلى التنازل عن بعض المبادئ والسقوط في الطريق فريسة سهلة لأعداء الدعوة.

أقول بأن التجارة نوع من أنواع الكسب الحلال والمستقل للدعاة، في مرحلة الدعوة التي تستمر وتتواصل، بينما يكون مصدر الرزق الأكبر والأهم للدعوة وللجماعة المسلمة هي ما أحل الله من غنائم أو فيء، يحصل عليه المجاهدون أثناء مزاولتهم لعبادة الجهاد، حيث جاء في الحديث الصحيح : ( َجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْخَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وفي هذه الفترة من السيرة النبوية المطهرة لم يكن مفروضاً على رسوله ولا على المسلمين أموال الغنائم بعد، وسنقف على هذه المسألة في وقتها ومكانها المناسبين بإسهاب.

* كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفاً بالصدق والأمانة في الأوساط التي يتحرك فيها، بل كان قدوة ومثلاً أعلى في هذا المجال، إلى درجة أنه كان محل ثقة وأمانة المجتمع كله، فكل الأمانات المادية كانت تودع في بيته، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على التمهيد الرباني لرسوله في المجتمع الذي سيُرسل إليه هادياً ورسولاً، وهي من الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها الدعاة إلى الله تعالى، ليكون لهم القبول في الأرض.

فالقدوة الحسنة لها عظيم الأثر في النفوس، قد لا يحتاج الداعية إلى كثير حديث وكلام لتبليغ دعوته، فالناس تتأثر بالفعل أكثر مما تتأثر بالقول، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )[فصلت 33] [ فالعمل الصالح يسبق القول ، بل لا قيمة لقول بلا عمل، وأدهى وأمر من ذلك وعيد من الله عز وجل لأصحاب هذا المذهب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )[الصف2-3].

هذه الصفات الحميدة والأخلاق الرفيعة دفعت بخديجة رضي الله عنها أن تضع أموالها في أيدي النبي لكي يتاجر بها وقد اطمأنت إليه قبل أن تجربه أصلاً، فعامل الثقة يبنيه المرء بتعاملاته اليومية مع الناس وهو يُعتبر رأس مالك الحقيقي في المجتمع الذي تتحرك فيه، فالناس لا تسعهم بمالك بقدر ما تسعهم بأخلاقك، لأن المال يزول وينقضي بينما الأخلاق تبقى وتدوم.


* لقد تعودنا في مجتمعاتنا أن يبادر الرجل إلى خطبة المرأة وليس هناك مكان للعملية المعاكسة، بمعنى أن والدي الفتاة أو أهلها لا يسعون للبحث عن الزوج الصالح لابنتهم ويعتبرون ذلك من صور الإهانة والتنقيص من قيمة الفتاة، بل قد تُثار شبهات كثيرة عن هذه الفتاة نفسها تصل في بعض الأحيان إلى إثارة شكوك حول عفتها وعرضها ما دام أن والديها هما اللذان يسعيان إلى عرضها بدلاً من انتظار الخاطبين في البيت، مما يقلل من حظوظ وقوع المرأة الصالحة على الرجل الصالح، وهذا ظلم في حق المرأة وتنقيص لكرامتها وقيمتها، فهي جزء لا يتجزأ من المشروع الإسلامي المرتقب، واللبنة الأساس في البناء القادم، وعليه فينبغي أن نبحث لبناتنا وأخواتنا عن الأزواج المناسبين لتستمر في عطائها لدينها وتطور كفاءاتها في طريق الدعوة والجهاد.


* على الشباب المجاهد أن يفقه أن سنة الزواج سلاح ذو حدين ، بإمكانه أن يوفر له الاستقرار والظروف المناسبة حينما يختار زوجة صالحة تربت على مبادئ الإسلام الحنيف وعلى التواضع والقناعة وحب الآخرة والزهد في الدنيا، بينما قد يكون هذا الزواج مصدراً للمتاعب وعقبة كبيرة في طريق الدعوة والجهاد حينما لا تتجاوب الزوجة مع طموحات وغايات زوجها.وفي هذه الحالة أنصح الشباب بأن يتحروا جيداً قبل الإقدام على الزواج ومن الأفضل أن يتأخر زواجهم بدلاً من أن يسارعوا إلى زواج فاشل يكون مثبطاً وعائقاً للداعية.

سنتطرق إلى دور الزوجة بالتفصيل في حينه وأهم صور الحياة الزوجية الناجحة والفاشلة، وأهمية دور المرأة المسلمة في المسيرة الجهادية إلى جانب الرجل، مع أحداث السيرة القادمة بحول الله تعالى.

إعادة بناء الكعبة

أهم حدث عرفته هذه الفترة هو مسألة إعادة بناء الكعبة المشرفة، حيث اختلف زعماء القبائل على الشخص الذي يعيد الحجر الأسود إلى مكانه الأصلي حتى كادت أن تنشب حرباً ضروساً بينهم.

قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوزوا وتحالفوا ، وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم . فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا .

فزعم بعض أهل الرواية أ ن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان عائذ أسن قريش كلها ; قال يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا . فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا ، هذا محمد ; فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا ، فأتي به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا : حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه . [سيرة بن هشام].

وهذا دليل آخر يبين أن شخص رسول الله كان محل احترام وتقدير في مجتمعه، وكذلك ينبغي أن يكون كل داعية قبل الانطلاق بدعوته بين الناس. كما يبين أن الداعية عنصر إصلاح، ومصدر إلهام في مجتمعه، يلجأ إليه الناس للمشورة وتقديم الحلول المناسبة للمعضلات المطروحة في الساحة.

فالداعية يتميز عن غيره بالعطاء والتضحية، والسهر على راحة الآخرين وتقديم يد العون المناسب في الوقت المناسب. ولا ينتظر جزاء من أحد بل إن عمل الخير والسعي للإصلاح سمة ذاتية مصاحبة له أينما حل وارتحل، فتراه يجد سعادة كبرى في إنجاز ما يقوم به من عمل الخير والإصلاح بين الناس وهدايتهم.


الخلوة في غار حراء

في السنوات الأخيرة قبل نزول الوحي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصص فترة من السنة للخلوة في غار حراء، من أجل التعبد والتفكر في ملكوت الله، وكان هذا اهتمام بالجانب الروحي وإعداد رباني له لأداء المهمة الثقيلة التي ستأتي بعد حين.
كان يقضي فيه أياماً وليالي ذات العدد يتفكر في خلق الله، ثم ينزل ليتزود من الطعام والشراب ويعود ثانية إلى خلوته، وكان أكثر ما يخلو في شهر رمضان.

وغار حراء يوجد في مرتفع يُطِلٌ على مكة ومحيطها، وهو منظر وموقع يحتاج أن يقف فيه كل داعية اتجاه واقعه ومحيطه الذي يتحرك فيه، والذي يود أن يغيره من داخله. فمن حين لآخر يحتاج الداعية لأن يخرج من هذا المحيط ويرتفع عنه لا أن يترفع، بهدف اكتشاف مواطن الضعف والفساد في هذا المحيط، لكي يعود إليه داعياً ومغيراً ومصلحاً.

كما أن هذه الخلوة يمكننا اعتبارها فترة مراجعة وتخطيط، كلنا بحاجة إليها من حين لآخر، يجدد فيها المرء عزيمته ويراجع فيها حساباته ويسطر فيها برامج مستقبلية لمواصلة المسير، بعزيمة أقوى، وبرؤية أصوب وأوسع.

والأصل هو الابتعاد والانزواء إلى حين من أجل وضع خطط للتغيير والإصلاح، وليس الهروب من الواقع بحثاً عن السلامة وترك المسؤولية، أو الترفع عن الناس والبقاء في البروج العاجية ووضع حدود مصطنعة بينك وبين الناس بحجة أنك منشغل بما هو أهم.

فليس هناك ما هو أهم من هموم الناس ومشاكلهم ومعاناتهم اليومية لكي نبحث لها عن حلول، وبالتالي نأمل أن تكون سبباً وطريقاً لكسب قلوب الناس وتجنيدهم لخدمة دينهم.

فالمرء بحاجة دوماً إلى زاد روحي ومعنوي يستعين به على مواصلة مهام وواجبات الدعوة، ومن هنا نفهم أهمية ودور الاعتكاف في الإسلام وكذلك قيام الليل وغيرها من العبادات .

بهذا ننتهي من مرحلة ما قبل البعثة بما فيها من أحداث وننتقل بعون الله إلى الفترة الغنية بالدروس والعبر والتي تبدأ مع بدء الوحي، وهذا ما سنفصله في الحلقات المقبلة بحول الله.



والحمد لله رب العالمين



----------------------



1- رواه الحميدي عن سفيان عن عبد الله عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر



 

رد مع اقتباس
قديم 01-14-2011, 01:18 PM   #4
(((مشرف سابق )))
سفــــ~ القــــلم ~ـــــــير


الصورة الرمزية همس القلم
همس القلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 70
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 11-03-2017 (11:11 PM)
 المشاركات : 1,371 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
مآني على طرد آلملذات مجبور ●

و آلحاجه آللي تهيـن آلنفـس مآ بيهـآ
لوني المفضل : Firebrick
افتراضي رد: دروس وعبر تربوية من سيرة خير البرية :: الدرس الأول :: مرحلة ماقبل البعثة



شكرا لك اخي على الدروس المفيده

رائع بحضورك ومبدع بمشاركتك

قدمت فأبدعت وشاركت فتألقت

لك كل الود


 
 توقيع : همس القلم

نافق تعـيـش وجامـل الناس تـنحـب .. بيع الضمير تشـوف كلن يجيلكـ






رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
منتدى قبيلة السمره من جهينة الرسمي
Security by i.s.s.w

المنتدي قائم لخدمة أبناء القبيلة وذلك للتعارف والتواصل وتبادل المعارف والعلوم ولا يمثل رأي مشائخها وكبارها إلا فيما يشار اليه وجميع مايطرح في هذا المنتدى من مشاركات ومواضيع يعبر عن رأي كاتبه دون أدنى مسؤوليه
والله الموفق