لما لاتقل شكرا

مقال كَتبهُ :@السميري@


عندما أنهى موظف محطة الوقود من تعبئة السيارة بالبنزين؛ تقدم ليأخذ النقود من الزبون وقال : "شكراً". أدار الزبون مفتاح سيارته وغادر المحطة دون أن يقول : "شكراً أو عفواً للموظف"، على الرغم من أنها مجرد كلمة لا يستغرق التلفظ بها أكثر من ثانية واحدة .

كثير من مواقف الحياة التي يمر بها الإنسان؛ والتي من المفترض أن نقدم بعدها الشكر لكل من يُقدم لنا خدمة سواءً كانت هذه الخدمة من واجبات هذا الإنسان التي تفرضه عليه وظيفتهُ؛ أو من باب إنجاز المعاملات التجارية التي سيتقاضى بموجبها مبلغا من المال، لكن الكثير من الناس يعتقد أن كلمة "شكرا" مجرد طقس "دبلوماسي" لا أكثر، ويجهلون ما لهذه الكلمة من معاني عظيمة تؤثر على نفسية الإنسان ومشاعره .

وعندما نتقدم بشكر إنسان على ما قدمه لنا من خدمة، فمن المؤكد أن هذه الكلمة لأن تغنيه، ولأن تُوظِيف له شيئًا في رصيد أمواله، والدليل على ذلك قوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7]، فرب العِباد لا يريد من عباده أن يتقدموا بشكره ليزيد من مقداره "تعالى الله عن ذلك"، ولكن ليعلمنا أن الشُكر وسيلة لزيادة النعمة واستمرار الخير بالتدفق، ويُعد الشُكر"تعبير عن قانون إلٰهيّ يربط بين السبب ـ وهو توجيه النعمة وجهتها نحو هدفها الذي أراده الله سبحانه منها، وبالتالي المحافظة عليها ـ وبين النتيجة، وهي زيادة النعم، إمّا من خلال استمراريّتها أو تطوّرها أو إضافة نعم أخرى عليها، ممّا لا يبتعد عن الفعل البشريّ أيضاً."[1]


ويجب على الإنسان أن يتقدم بالشكر لكل من يُقدم له خدمة كانت هذه الخدمة من واجبات هذا الإنسان [ كالموظفين في مختلف القطاعات والذين يقدمون خدمات للمواطنين ]، أو من خلال تعاملنا مع مختلف شرائح المجتمع مهما اختلفت أعمارهم، ومستوياتهم الثقافية، لأن الشكر سمة من سمات الإنسان المثقف المتحضر، ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى فقد قال : "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"[2].

يقول الكاتب "غسان مصطفى الشامي في إحدى مقالته : " يَجب علينا تَرسيخ أسمى مَعاني الشُكر، والثَناء في نُفوسنا، وغَرسها في نفوسِ أبنائنا منذ الصِغر، كما يجب أن نعود أنفسنا على أن يكون الشُكر مَقروناً بالدُعاء ليَتولد لدَى الآخرين الشُعور بالرِضى النَفسي والارتياح والطَمأنينة, وحَتى لو تَرسخ لَدينا مَفهوم "لا شُكر على وَاجب" فلابد أَن نُدرك أن الذَي لا يَشكر النَاس لا يَشكر الله، فلماذا لا نَشكر عَامل النَظافة في الشَارع، وفي الأماكن العَامة؟! والسائق؟! والخادمة؟! والخباز؟! والنجار؟! والمُعلم الحريص على تلاميذه؟! والطبيب الساهر على راحة مرضاه؟!.

"شُكراً" كلمة صغيرة جداً، لكنها عظيمة المعاني، تدخل إلى أعماق القلب الإنساني فتزرع داخله المحبة، وتنشر السعادة، وتحفز النفس على الاستمرار في العمل المتميز، وترسم السعادة على الوجوه، وتجعلها أكثر إشراقةً وبهاءً ونظارة، كما أنها تروض الإنسان على التواضع، وتعلمهُ أن الحياة "أخذ وعطاء" .


الحديث يطول جداً في هذا الموضوع، ولا يسعني إلا أن أقول "شكراً" لك على قراءتك هذا المقاله، وأشكرك لأنك تستحق الشكر وليست مجاملة أو نفاقًا وتملقًا.